الأردن وهو يرصد تطورات خطاب «حماس» السياسي البراغماتي من أوكرانيا إلى إيران وتركيا
بعض الرسائل التي يمكن التقاطها من هنا وهناك بعد زيارة ممنهجة ومبرمجة لمسؤول حركة حماس للشؤون الخارجية وعضو مكتبها السياسي خالد مشعل إلى العاصمة الأردنية عمان، تؤشر على مستويات مختلفة ومتنوعة هذه المرة من الخطاب السياسي الواقعي إلى حد ما ليس في الطرح والرموز والنصوص، ولكن في شرح بعض تطورات الأحداث والتقدم برؤية فيها الكثير من جرعات السياسة، الأمر الذي يعتقد ان حركة حماس تتعامل معه على صعيد شعبتها الخارجية تحديدا بذكاء حاد ومستجد، كما يبدو أن الأردن أو حكومته وسلطاته ومؤسساته التقطت ما هو جوهري في هذا التطور.
وتلك النشاطات تتضمن كما قالت وكالة «قدس برس» مأدبة عشاء سياسية الطابع استضافها الأمين العام لمنتدى الوسطية الإسلامي مروان الفاعوري، لكن اللافت هنا هو حضور بعض الشخصيات لتلك المأدبة وحصول حوار سياسي عميق وموسع على هامشها شاركت «القدس العربي» في تفاصيله.
ومن بين تلك الشخصيات رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري ووزير الأوقاف الأسبق الشيخ عبد الرحيم العكور، إضافة إلى وزير البلاط الأسبق صاحب الرؤية الجديدة فيما يتعلق بالتيار الإسلامي وضرورة إسناد جبهات الرفض والمقاومة الفلسطينية الدكتور مروان المعشر، بطبيعة الحال مع نخبة عريضة من الشخصيات الأخرى ذات الاهتمام المشترك إضافة إلى زعماء ووجهاء من قادة بعض العشائر الأردنية.
وهنا بدا واضحا لغالبية المراقبين بأن زيارة مشعل التي استمرت لأسبوعين هذه المرة شهدت نمطا من توسيع بيكارها في التواصل السياسي، وهذا يحصل لأول مرة، بمعنى انها لم تحشر في زاوية الزيارة الاجتماعية العائلية مع وجاهة مثل تلك الخلفيات، حيث أشار مشعل نفسه في مجالساته إلى ان هامش زياراته هذه المرة سمح به بما يتجاوز قليلا وفي إطار مدروس ومتفق عليه الجوانب العائلية.
لكن الإنطباع زاد وهو ما لاحظته صحيفة «عمون» المحلية الإلكترونية في تقرير لها بان زيارة مشعل هذه المرة شهدت تطورا سياسيا، فقد التقى شخصيات يمنية وليبية من باب التشاور، والسقف الزمني لهذه الزيارة زاد قليلا عن أسبوعين بينما كانت الزيارات المسبقة تتم ليومين أو لثلاثة خلافا لان مشعل هذه المرة رافقه وفد من قيادة حركة حماس، لكن هذا الوفد ابتعد عن الأضواء وبقي في ظل المسؤول الأبرز في حركة حماس خلال الزيارة مع ان مشعل أيضا دخل إلى الأردن مع مرافقين شخصيين أو بمعنى آخر مع طاقم صغير من مرافقيه.
السلطات الأردنية أيضا لأول مرة وفرت للضيف ولمقر إقامته حماية ومرافقة أمنية خاصة شاهدها جميع من التقى مشعل في الأثناء،
بالتالي تمكنت قاعدة أعرض من سياسيي عمان من الإصغاء إلى مشعل وتقديراته وتشخيصاته للمرحلة باسم حركة حماس عمليا، ما ساهم في رواية منقولة تفسر بعض الأحداث أو المسارات وهي بالضرورة تعكس رواية المطبخ السياسي في حركة حماس وهي الرواية الأولى تقريبا التي تبرز بعد العدوان العسكري الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة إثر الاشتباك مع حركة الجهاد الإسلامي.
وقد ظهر تباين واضح بين موقفي حركة حماس والجهاد الإسلامي من التصعيد الأخير، تباين أولا من حيث حصول هذا التصعيد وتوقيته، وثانيا من حيث نهايات هذا التصعيد وطبيعة الهدنة التي تقررت والتي انتهت بجملة تكتيكية واضحة للجناح العسكري لحركة حماس ضبطت سلاحها وتجنبت التورط في مواجهة عسكرية أشير بوضوح إلى انها للأسف تقررت خارج قطاع غزة وخارج قيادة حركة حماس والجهاد الإسلامي الميدانية والتلميحات هنا بوضوح للجانب الإيراني حصريا.
نقاشات القيادي مشعل والروايات والتصريحات والتعليقات المنقولة عنه في مجالسات عمان أصبحت جزءا من تصور جديد عن كيفية قراءة حركة حماس أو المطبخ السياسي فيها لميزان القوة وتحولات الإقليم، مع الإشارة الدائمة من قبل مشعل إلى ان إنشغال الدول الكبرى بصراعات كبيرة مثل ما يحصل مع تايلند وأوكرانيا وبين الروس والأمريكيين يعني دوما نهاية محتومة للاهتمام بالقضايا التي تعتبرها الدول الكبرى ثانوية، لكن الهوامش التي يمكن ان يستغلها هنا الشعب الفلسطيني وفصائله وقادته هي تلك الهوامش التي تنتج عن واقع محدد قوامه ان الدول الإقليمية الكبرى تتحرك بحرية أكثر عندما تبرز مشكلة دولية، وهو أمر لا بد من تحقيق مكاسب بسببه.
وبالتالي العلاقة الإيجابية مع إيران جيدة والعلاقة مع تركيا ممتازة في مواجهة المشروع الإسرائيلي في المنطقة، وعلى هذا الأساس تقصد مشعل فيما يبدو إظهار استقلالية حركة حماس في قرارها الميداني من حيث تحديد شكل وتوقيت المعركة العسكرية وهو أمر على الأرجح أعجب المضيف الأردني ودفعه لزيادة هوامش تلك الزيارة المثيرة التي تعني الكثير في دلالاتها لاحقا سياسيا.
والخطاب والمفردات والألفاظ والتعبيرات كانت بوضوح تركز في النقاشات على رؤية حركة حماس التي يمكن وصفها بانها براغماتية وجديدة وواقعية سياسيا خصوصا بعد طرح عدة مرات لمفهوم «الدبلوماسية مع البندقية».
“القدس العربي”