0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

“أكتبُ لأحيا”

 بقلم الروائية ميمونة الشيشاني

عندما أكتب أغيب عنِّي.. أجدُني في ثنايا الورق مُعلَّقةً بأحد السُّطور من قدمي بملاقط تشبهُ الضَّمة أو بمشابك من شَدَّة..
أحيانًا تكون تلك السُّطور خيوط عناكب وَهِنة فتسلبُ حريَّتي، وتسبي إرادتي، وتغتصب كرامتي.. وحين أحاول التفلُّت منها تتشابك مشكِّلةً عقدًا كبيرةً لا تنحل.. فأتأرجح وقيودي.. وأرى خلاصي بالمخالب التي تقطر سُمًّا.. فتحملُني النصوص على أكتافها وأنا بدماء الحبر مُعفَّرة..

عندما أكتب أعيش عرسًا خالدًا.. أزفُّ الكلمات للسُّطور.. أعزفُ سمفونيَّة عشق.. أراقص الأقلام.. أُغنِّي القصائد.. أحملُ النُّصوص على كتفي وأمضي في دروب الكتابة شَدْو قُبَّرة..

عندما أكتب أتفاجأ بي في بساتين الهجاء وكروم اللغة.. أقطف حرفًا وأرميه في سلَّة الكلماتِ معنىً.. أتذوَّق جملةً طفت على ورقتي العمياء فتتموسق ألحانًا على شفتي حتى ترتدَّ الورقة بصيرة وتمتلئ بمشاهد حيَّة.. وبسيف الضمير أُمزِّق جوعي نحو طبقٍ من نصٍّ طاهرٍ لا تشوبه الخطايا.. ولا تُؤرِّقه الرزايا.. فأمضي حاملةً ورقتي المُكرَّمة المُطهَّرة..

عندما أكتب أروي عطش قلمي الجافِّ بنهر حكاياتي الدفَّاق.. فأنقطعُ بحبره عن عالمٍ وُجِدتُ فيه قسرًا إلى آخر أوجَدْتُه طوعًا ..
ففي عالمي أتنفَّس تحت الماء ولا أغرق.. وأسبح في السماء ولا أسقط.. أُشعل الشمس بعود كبريتٍ مُنطفئ.. وأُطفئ الشَّفق بزفيري الملتهب.. أحرثُ الأرض بمبراتي.. وأزرعُها بفتات أفكاري.. وأُكرعُها حبرًا من عظيم دواتي.. وأُضيء بها مصباحًا صغيرًا في مشكاتي.. يملأ ساحاتي بأوراق مُعطَّرة..

عندما أكتب أعيش ألف حياةٍ وحياة: فقرٌ وغنى، جوعٌ وشبع، حريةٌ وعبوديَّة، نصرٌ وهزيمة، صحةٌ ومرض، طفولةٌ وكهولة، جَورٌ وعدل، كرهٌ وحُب، نجاحٌ وفشل، جنَّةٌ ونار.. وحياةٌ بالأُنس مُسطَّرة..

عندما أكتب أفرح فرحًا أزليًّا فيضحك الكون وردًا وأزاهيرًا.. وأحزن حزنًا سرمديًّا فيبكي الغيم رعدًا وزمهريرًا.. وينشج حروفًا مُعتَّقة..

أنا أكتب لأجذب الأحلام الجميلة إلى الواقع البشع.. لأحمل سلال الورد حيث ينمو الشوك.. لأروي عطش الصحراء.. لأسبر أعماق الحُب..
أنا أكتب… نعم أكتب..
لتقرؤوني حرفًا على غيمٍ مُثقلٍ بمسرَّة.. يرميكم بسهامٍ من محبَّة..