موظفون ولكن صائمون
لا تختلف طبيعة الوظيفة في شهر رمضان عن الأيام العادية، ويكون الاختلاف فقط في مواعيد الذهاب إليها والمغادرة منها، ومن الواجب على جميع الموظفين القيام بوظائفهم على أكمل وجه، وخصوصاً في الشهر الكريم، فيؤجر الإنسان على العمل الذي يتقنه، ولكن للأسف نجد بعضاً من الموظفين يصومون عن العمل في شهر رمضان، وما أن يجلسوا خلف مكاتبهم، حتى يزرعوا عقدة في جبينهم، وعلامات النعاس تظهر على وجوههم، وأي تصرف بسيط لا يروق لهم من قبل أي شخص يأتي عندهم، يجعلهم يثورون غضباً عليه، وتعليلهم الوحيد لذلك، بأنهم صائمون.
تكثر المواقف السلبية التي تصدر من قبل الموظف المتذمر؛ بسبب صيامه، فيصوم عن الطعام، والكلام، ولا أبالغ إن قلت عن الأخلاق، فعندما يدخل المراجع إلى مكتبه، يجده يعبث في هاتفه الخلوي، أو يتصفح أحد مواقع التواصل الاجتماعي، أو يلعب شدة على جهاز الحاسوب الخاص به، ومن الأمثلة على تلك التصرفات السلبية، بأن شخصاً روى لي ما حدث معه عندما ذهب، للقيام بمعاملة ما، فعند وقوفه على النافذة أمام الموظف، طلب منه بحدة الجلوس ريثما ينهي العمل الذي يقوم به، وعاد الشخص بعد نصف ساعة إلى الموظف، فقال له: ( يا أخ استنى شوي، لما اخلص بنادي عليك )، وما هي إلا دقائق حتى غادر الموظف، وعلى حسب تعبير الشخص لم يعد إلا بعد نصف ساعة، فعاد إليه مجدداً، فقال له الموظف: ( هات اعطيني اشوف، شو معك؟ ) وبدأ يطلب منه القيام بتصوير بعض الوثائق، وإحضار أوراق أخرى، فرد عليه الشخص: ( يعني يا أستاذ لو حكيتلي من الاول كنت خلصتهم، بدل ما أنا قاعد )، فأجابه غاضباً: ( اعملهم و ارجعلي، استغفر الله العظيم ).
وموقف آخر حصل معي، عندما ذهبت لاستخراج بعض الوثائق الجديدة، فدخلت إلى المبنى وقابلت موظف الاستقبال، وبدا التجهم ظاهراً على وجهه، أثناء تعامله مع جميع الناس الواقفين أمامه، فقلت له: ( لو سمحت بدي استخرج شهادة جديدة شو أعمل؟ )، رمقني بطرف عينه، وناولني ورقة وقال لي: ( عبيها )، فأخذت قلمي وبدأت بتعبئتها على طرف الطاولة التي عنده، فقال غاضباً: ( مش عندي تعبيها، شوف لك مكان ثاني )، وبحثت عن مكان آخر لتعبئتها، وبعد انتهائي من ملأ الورقة، عدت إليه لسؤاله عن الخطوة التالية، فلم يرد في المرة الأولى، فكان يتحدث مع شخص آخر، ووقفت منتظراً، فقلت له مرة أخرى: ( عبيت الورقة شو أعمل؟ )، فرد بغضب أكثر: ( روح عالمحاسبة، شغلك مش عندي )، وفي طريقي وجدت أكثر من شخص، لم يرق لهم تذمر ذلك الموظف الغاضب؛ لأنه صائم ليس أكثر.
وجود مثل أولئك الموظفين المتجهمين والغاضبين في مختلف أنواع الوظائف، يعكس نظرة سلبية إلى زملائهم أيضاً في العمل، فتصرفاتهم تلك ليست فردية، بل منتشرة عند شريحة منهم، في مختلف قطاعات العمل، فعندما يستقبل المراجع موظف متذمر، وغاضب، ولا يريد العمل في شهر رمضان، سوف يجعل المراجع يفكر كثيراً قبل مواصلة الطريق نحو إنهاء ما آتى للقيام به، ولكنه في المقابل ليس مجبراً على تحمل تصرفات مثل ذلك الموظف وغيره من الموظفين، الذين لا يلتزمون بأدنى المعايير الأخلاقية الوظيفية، فهم ليسوا وحدهم صائمون، بل من يأتوا إليهم صائمون مثلهم، فكيف يسمحوا لأنفسهم بإساءة التعامل مع الناس؟!، غير مدركين للمسؤولية المهنية الواقعة على عاتقهم، والواجب عليهم الالتزام بها، في شهر رمضان، وفي غيره من شهور العام.
إن الموظف الناجح، هو القادر على التأقلم مع الظروف المحيطة به، والمتسم باتساع الأفق، والصبر في القيام بعمله، والمرونة في التعامل مع غيره، والمحافظ على الخلق الحسن والابتسامة، في التعامل مع الناس، وتقبل العمل في نهار رمضان، غير منزعج أو متذمر، مهما كان نوع عمله، فعندما يتسم الموظف بكل هذه الصفات المذكورة، يساهم ذلك في الزيادة من النهوض في البيئة المهنية، وكلما كانت الرقابة من قبل المدراء أكثر فاعلية، يحافظ ذلك على سير العمل بنجاح، فمصلحة العمل من مصلحة الموظف الشخصية، ويجب عليه التقيد بكل التعليمات الوظيفية، والحرص على نقل صورة طيبة، وجيدة، عنه وعن المؤسسة، أو الشركة، أو الدائرة التي يعمل بها، لجميع الناس الذين يتعامل معهم، سواءً في الأيام العادية أو في أيام شهر رمضان المبارك.
مجد مالك خضر
mjd.khdr@yahoo.com