بين الصهيونية وداعش مشتركات كثيرة
يتماثل الكيان الصهيوني و داعش في أطر مشتركة برغم الفارق التاريخي على ظهورهما. ثمة مشتركات بين الصهيونية والداعشية يغذيها بناء ديني وعقدي عنفي يتطابق في سياقات عدة. ولعل الظروف التاريخية التي رافقت احتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية ، تلتقي مع حقبة الفوضى والاضطراب التي يمر بها العالم العربي في الزمن الراهن. إن ظهور ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام ، كتنظيم سلفي جهادي تكفيري ، لم يأتِ من عدم. وبصرف النظر عن العامل العراقي كرافد من روافد التشكل التنظيمي ، يُعد داعش حركة عنفية مُتحوِّرة تجاوزت ما ارتكبته القاعدة من مجازر بحق الجماعات الدينية والمسلمين وفي مقدمهم السُنّة ، ما جعل بعض الخبراء في الحركات الإسلامية يتحدث عن إرهاب جهادي وسطي تمثله القاعدة وإرهاب جهادي متطرف تمثله داعش . انطلقت الصهيونية من عدّة دينية تستند إلى ما ورد من مقولات حول أسطورة أرض الميعاد ، وزعمت أن لها الحق في الأرض العربية والعودة إلى صهيون ، إن فكرة الاصطفاء اليهودي يقابلها الاصطفاء الإسلاموي الخلافي الخلافة الإسلامية لدى داعش ، نحن هنا أمام متقابلين. أرض الميعاد وأرض الخلافة ، أصولية يهودية متطرفة ، وسلفية جهادية متطرفة ، عمل كلاهما على تطهير عرقي ديني بحق السكان والجماعات المخالفة لهما. إن المشروع الصهيوني مشروع توسعي عنصري استيطاني لا يضع حدوداً جغرافية ، مملكته المملكة اليهودية من النيل إلى الفرات ، لكنه انكفأ إلى جدار عازل. كذلك لا يضع التوسع الداعشي حدوداً لجغرافيته ، فأرض الله حدوده ، وهو يتوعد الدول بالتمدد إليها لتطهيرها من الكفار ، بعدما رسم خريطته المفترضة في المناطق التي ينتشر فيها ضمن بعض الأراضي العراقية والسورية. وكما اعتبر ثيودور هرتزل أن إقامة الوطن القومي لليهود يتطلب زيادة عدد المهاجرين ، بما يؤدي إلى اتساع رقعة الأرض ، دعا أبو بكر البغدادي المسلمين إلى الهجرة لأرض الخلافة. استند تنظيم داعش إلى تطهير الأرض التي استولى عليها تحت ذرائع دينية ، فقتل من قتل وشرد ، وادَّعى أنه يطبق الشريعة الإسلامية. في موازاة ذلك قامت عصابة الموت الصهيوني هاغاناه كلمة عبرية تعني الدفاع ، أُسِّست في القدس العام 1920 ، وقبيل إعلان قيام دولة الكيان الصهيوني ، كان عدد أعضائها يبلغ نحو 36.000 بالإضافة إلى 3000 من البالماخ ، واكتمل بناؤها التنظيمي في العام 1929) بقمع انتفاضة العرب الفلسطينيين ، وهاجمت المساكن والممتلكات العربية ، ونظَّمت المسيرات لاستفزاز المواطنين العرب وإرهابهم ، كما ساهمت في عمليات الاستيطان ، وخصوصاً بابتداع أسلوب السور والبرج لبناء المستوطنات الصهيونية في يوم واحد.
عملت العصابات الصهيونية على ترهيب الفلسطينيين وتخويفهم. هذه الآلية مع الفارق الزمني وتطور وسائل الإعلام يعتمد عليها داعش ، حيث ينشر أفكاره ويصور عمليات القتل التي يرتكبها ويبثها عبر مواقعه الإلكترونية ، موظفاً تقنية عالية في التصوير والإخراج ، متعمداً انتهاك سيادة الدولة والجيوش. هذه الخاصية التي اتخذها ليست سوى تطبيق للقواعد التي خطها أحد منظّري السلفية الجهادية ، أبو بكر ناجي (اسم حركي) في كتابه إدارة التوحّش. أخطر مرحلة ستمرّ بها الأمة . بعد غزوة نيويورك 11 أيلول 2001 . فقد أشار الكتاب إلى أنه من شروط النجاح الكبرى لإقامة الخلافة من المناطق التي يسيطر عليها عدم التقية والمجاهرة والحسم واستخدام وسائل الإعلام في إظهار عدالة القضية وقوة القائمين عليها وبطشهم. تسعى داعش إلى تسويق فكرة دولة الخلافة عبر الترهيب ، محاولاً وضع أسس لخلافته المفترضة. يعمل على اكتساب شرعية من الجماعات التي يسيطر عليها عبر تحقيق الشوكة بالمولاة الإيمانية . ففي وجود موالاة إيمانية بين كل هذه المجموعات ، تتمثل في عقد مكتوب بالدماء ، كتاب إدارة التوحش ، ص 35.
يسعى العدو الصهيوني إلى الإعلان عن يهودية الدولة بعدما سوقت لعقود أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في محيط إسلامي عربي استبدادي. هذا التلاقي بين دولة الخلافة والدولة اليهودية يعزز نشوء النزعات الدينية والمذهبية والتفكيكة. في هذا السياق ، أن بقاء وتمدد دولة داعش ، لم يعد مجرد صراع بين الدولة في سوريا والعراق وجماعة إرهابية متوحشة ، لقد بات يرتبط بمشروع ظهور الدولة اليهودية , أي أن الدولة الإسلامية في العراق والشام ، هي حاجة أميركية ـ صهيونية لتبرير وجود الدولة اليهودية . وفي مقاربته لقيام الدولة الإسلامية والدولة اليهودية ، يلاحظ تماثلاً في مضمون إستراتيجية التوحش المؤدية لولادة الكيان الصهيوني والتي تؤدي اليوم إلى ولادة نظيرتها الدولة الإسلامية ، أن ولادة الدولة الإسلامية تتماثل وتتطابق إلى حد بعيد من حيث الظروف العامة مع ولادة ونشأة الكيان الصهيوني . لقد قامت الأولى على أساس إستراتيجية التوحش ، أي ممارسة أقصى حدّ ممكن للعنف ، وبحيث يبلغ ذروته مع وقوع مجازر مروعة ضد المدنيين العزل بواسطة التطهير الديني , وتقوم الثانية أي الدولة الإسلامية اليوم بتطبيق إستراتيجية التوحش الشامل التي طالت كل الأعراق والأديان والمذاهب من دون تمييز ، وبدعاوى دينية شديدة التزمت . أن انسحاب البريطانيين من فلسطين أدى إلى ولادة الكيان الصهيوني , وأدى الانسحاب الأميركي من العراق ، إلى ولادة الدولة الإسلامية في الموصل والرقة قبل أن تتمدد بسرعة إلى غرب العراق وشمال سوريا ، ولقد تلازمت هذه الولادة مع ممارسة إستراتيجية في أقصى أمدائها . أخذ العدو الصهيوني شرعية الدولية على دماء الفلسطينيين والعرب وعلى محاولات محو تاريخ الأمة الفلسطينية. أُسس الكيان الصهيوني على أشلاء الضحايا وعلى التطهير الديني وتدمير القرى والذبح والقتل ، انطلاقاً من أساطير العودة إلى صهيون. اعتمد على مقولات دينية وأسانيد توراتية اصطفائية ، تُجيز أبشع عمليات الإبادة وممارسة الحد الأقصى للعنف. إن فكرة الاصطفاء اليهودي/ التوراتي توازي الاصطفاء الاسلاموي / الخلافي الذي لا يقبل أن يشاركه أحد من مخالفيه عقدياً وسياسياً ودينياً ومذهبياً في حدوده ، بين الصهيونية و داعش مشتركات كثيرة ….
بقلم جمال ايوب