الخروج من كوخ كورونا
وكالة الناس – بات واضحاً أنَّه لن يجفَّ في ظرف أسبوعين أو حتى شهرين، وربما سنتين. بل بات أوضح، أنه من المضحك حقاً، أن نتبنّى هذا الاعتقاد الساذج، حتى ولو ضربتنا موجة شوب تنشّف البحر.
الكورونا باقٍ معنا؛ هذه هي الحقيقة المتلألئة، وعلينا أن نتعلم كيف نتعايش معه، كما يتعايش كثير من الناس مع أمراض أفتك منه وأخطر، لن ننسى أن الكورونا هذّبنا وشذّبنا، وقصقصَ من ريش عاداتنا، وخلّصنا من سطوة أشياء طالما كنا نعتقد أنه من الصعب كنسها عن سجادة حياتنا، لن ننسى أنه أعاد حساباتنا، وجعلنا نرتب أولوياتنا بشكل أقرب إلى حاجاتنا الحقيقية، فما كنا نراه هاماً وجدناه أقل أهمية، ويمكن أن يتراجع إلى ذيل القائمة، أو يخرج منها.
لكن مع العودة التدريجية إلى الحياة ظهر في العالم، وسيظهر لدينا أيضاً، مرض أقرب إلى النفسي منه إلى العضوي. مرض يسميه العلم متلازمة (الخروج من الكوخ)، فبعد أشهر العزلة ولزوم البيت، والتمترس خلف ستائره الثقيلة، سيجد البعض صعوبة بالغة في العودة الطبيعية إلى الحياة؛ بل سيخاف أن يواجهها من جديد، ويفضل ان يبقى في صومعته وكوخه، وسيصعب عليه أن يغسل نفسه من إشتراطات فرضتها علينا الوحدة.
قبل أيام قال لي صديق بأنه يشتاق حقاً إلى المصافحة، وهو بالمناسبة كان من أكثر الناس محاربة لعادات التقبيل، و(التوبس الجائر) في المناسبات، هو يشتاق إلى المصافحة العادية، بعيدا عن التقليعات المضحكة التي ظهرت، كمصافحة مرافق اليدين، أو باطن القدمين. لم يستطع علماء الإجتماع أن يحدِّدوا بدقة كيف توصل الإنسان إلى هذا النوع من التحية؛ أي تحية المصافحة باليد العارية، التي تحمل الكثير من المعاني، وبضمنها الإحتضان والإحتواء، وعدم العدائية، والرغبة في التواصل، وغيرها من المشاعر.
ولا أحد يعلم كم احتاجت الإنسانية من الزمن للوصول إليها، أحب المصافحة أكثر من الإحتضان والعناق العام، هي وسيلة فضلى لبث واكتشاف المشاعر، وتلمسها مع الآخرين وفيهم، فهناك كثير من الإشارات التي تنطوي عليها هذه الحركة البسيطة.
إشارات تجعلنا نقرأ الآخرين، وقد نفهم ما يجوس في نفوسهم أحيانا، فمصافحة اليد المنزلقة، والتي تسمى مصافحة السمكة، هذه تعطي مؤشراً أن قبيلك لا يرغب بك، وانه يروم أن تنزلق من حياته بسرعة، كما تنزلق يده السمكية من يدك.
وهناك المصافحة العاصرة، التي تحمل معاني السطوة والتعالي والمحبة أحيانا، وأخرى يسميها علماء الإتصال بمصافحة المضخة، وهي حميمية تؤشر إلى الفرح المحبة؛ بعيداً أو قريباً من المصافحة.
ففاتورة الخروج من كوخ كورونا لن تكون باهظة اقتصاديا، بل ستكون أكثر كلفة نفسياً، ولربما أن بعض الشعوب التي عاشت الحجر الصحي بحذافيره ستحتاج إلى أطباء نفسانيين ومعالجين اجتماعيين؛ كي يسهلوا عودة مياههم إلى مجاريها.
وكل هذا سيبقى ارخص من الخوف من فيروس كورونا، وعدم التعايش معه.
كتب. رمزي الغزوي