توطين السوريين ودمجهم في الأردن
يبلغ التحسس اليوم في الأردن أعلى درجاته، إذ إن هناك مخاوف عميقة موجودة حتى في لبنان، ودول ثانية، من سيناريو توطين السوريين في الدول التي يعيشون فيها.
الكلام يتسرب وفقا لمستويات مطلعة تقول إن جهات دولية تخطط لفرض الاندماج وتوطين اللاجئين من خلال الأمم المتحدة في الدول التي يعيشون فيها، مع استحالة عودة اللاجئين بشكل كامل لاعتبارات كثيرة، والأردن هنا يُعدّ المستضيف الأكبر، من حيث العدد.
تنبه الأتراك ربما لهذه القصة فأقاموا عدة مناطق سكنية في شمال سورية، وفرضوا ترحيل السوريين إليها، بدلا من بقائهم داخل تركيا، وهذه المناطق آمنة، ولا تصلها سلطة النظام السوري وقواته العسكرية، كما ضغطوا بوسائل غير مباشر لدفع السوريين للمغادرة إلى بلادهم.
وفي لبنان حملات سياسية مؤذية ضد السوريين، توظف كل المحرمات من الكلام عن الطائفية والمذهبية والدين والعرق، وصولا إلى بث الكراهية والعداوة على أساس شعبوي ضد السوريين.
في كلمة لوزير الداخلية مازن الفراية قبل يومين، نقرأ معلومات محددة وخطيرة فالوزير يقول إنه يعيش في الأردن أكثر من مليون وثلاثمائة وخمسين ألف شقيق سوري، وأنه ولد في الأردن منذ عام 2011 أكثر من 233 ألف سوري، وتقييمات الوزير المخضرم للمشهد تثير الذعر حقا، إذ إن الوزير يتحدث مثلا عن وضع سكن السوريين في المخيمات ويقول إن في المخيمات 38 ألف كرافان، والعمر الافتراضي للكرفانات هو من ست إلى ثماني سنوات، وأغلبها بحاجة للتغيير والصيانة، وجدرانها تعاني من مشاكل عديدة، دون أن تقوم أي جهة هنا بالتدخل وحل هذه المأساة، لا على مستوى المنظمات الدولية والإنسانية، ولا الدول المانحة، ولا تلك الرحيمة.
كلمة الوزير المهمة جدا في المؤتمر الإقليمي الذي نظمته شبكة أهلا بعنوان: “موجات الهجرة بين سواحل المتوسط الجنوبية والشمالية”، تطرقت إلى كل تفاصيل القطاعات إذ مثلا يتحدث الوزير عن قطاع المياه فيقول إن الطلب ازداد على المياه بنسبة 40 بالمائة في محافظات الشمال، وبنسبة 21 بالمائة في المناطق الأخرى، وفي قطاع الصحة وبسبب الضغوطات حدث نقص في عدد المستشفيات والعيادات الصحية، ونقص في الكوادر الطبية والإدارية، مع ازدحام المستشفيات والعيادات بالمراجعين، وازدياد الضغط على الأجهزة الطبية وتقصير عمرها الزمني التشغيلي، ونقص الأدوية والعلاجات، وفي قطاع العمل، أشار الفراية إلى أن التحديات تمثلت في إحلال العمالة السورية بدلا من العمالة الأردنية في كثير من المهن، لانخفاض أجورها إذ تقدر تكاليف التمكين الاقتصادي للاجئين بنحو 239 مليون دينار سنويا، إضافة إلى الأثر الحاد على العمالة الأردنية بسبب المنافسة وانخفاض أجور السوريين مقارنة بالأردنيين.
هذه وثيقة يتوجب الوقوف عندها مطولا، خصوصا، مع قراءة الوزير لواقع السوريين الاقتصادي، ووقف المساعدات المالية الدولية عنهم، وضعف التمويل الدولي لخطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية التي طال أمدها، إذ ما زال اللاجئون السوريون يعانون من تدني مستوى الدعم المالي المقدم لهم من الجهات المانحة، إذ بلغت نسبة الدعم المالي المقدم ضمن خطة الاستجابة للنصف الأول من هذا العام 7.5 بالمائة من نسبة التمويل المطلوبة.
لكن السطر الأكثر حساسية في كلمة الوزير والذي يتطرق ضمنيا الى الكلام عن احتمالية دمج السوريين في الأردن بشكل دائم، وتوطينهم هنا يقول بشكل واضح جدا.. “إن أولوية الحكومة الأردنية هي مواطنوها وليس اللاجئين، ونحن ملتزمون بتسهيل إجراءات العودة الطوعية كون الاندماج ليس خيارا وإن الحقيقة الثابتة بأن موطن اللاجئ هو بلده الأصلي”.
مع تراجع الدعم المالي للأشقاء السوريين بشكل مباشر عبر البرامج الفردية والعائلية، وتراجع الدعم المقدم للدولة المستضيفة، كيف تقرأ عمّان ارتدادات ذلك عليها من النواحي الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والسكانية خلال الأعوام المقبلة، وكيف سيدار هذا الملف، أمام كل هذه الكلف المحتملة، والتي تمتد بطبيعة الحال إلى كل الأردن دون استثناء؟!
والإجابة لمن عنده إجابة.
(الغد)