0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
previous arrow
next arrow

بساتين الشاميّة

وصل رجل قارب على نهاية العقد الرابع من عمره , وابنه اليافع الذي كان يهش بعصاه على بضع رؤوس من الغنم امامه , الى حافة مجرى السيل الواسع , السيل الذي اخذ معه في يوم من الايام , كثير من الناس في المدينة , ولم يعودوا ابدا , واطلّت على جوانب المجرى بساتين الشاميّة , المكان الذي كان يهرب اليه ابيه عندما تضيق نفسه , ويحتاج لقراءة كتاب في جوّ من السكينة واطمئنان النفس , وخضرة وماء , انحدرا الى المجرى الصخري , ومشوا قليلا لتلقاهم نبعة ماء صافية , تجري في قناة لتصل الى غدير بحجم الغرفة الكبيرة في بيتهم , مملوء بالماء وعلى حافّة الصخرة التي تطل على الغدير , جلس رجل عجوز متكّأ على عصاه , وينظر الى الماء في الغدير بشرود .
عرفه الأب وطرح عليه تحيّة الإسلام وجلس يقرأ الكتاب , فردّها العجوز عليه, وسأل الصبي عن اسمه , ثمّ وكأنّه يريد أن يتحدّث لأي أحد , قال لقد كان أخي في مثل عمرك أو أكبر قليلا لمّا غرق في ماء هذا الغدير , كان فتى مغوارا لا يهاب , يذهب مع جالبي المواشي من نجد , ليبيعوها في بئر السبع , التي يصلون اليها مشيا على الاقدام وهو معهم , وليعودوا بالبضائع منها ومن غزّه , عندما كانت كلّ البلاد من غير حدود , تذهب من الشام الى فلسطين ونجد والحجاز , ولا يسألك سائل عن هويتك أو جواز سفرك , ولا يعود الاّ وقد سبح في بحر غزّة الكبير , أتعرف بحر غزّة , الذي يبدو أّن ليس بعده أرض , يسبح فيه كما السمكة , ولكن هذا الغدير الصغير الغدّار اخذه الى قعره الى غير رجعه , فالصغير يقدر على فعل ما لا يستطيع فعله الكبير احيانا , عندها افاق الصبي على صوت ابيه يناديه ليكملا المسير .
ركض الصبي ليلحق الغنم , قبل أن تأكل من الشجر الوارف الذي ينسدل على جوانب الجدران الطينية للبساتين ذات الأبواب قليلة الارتفاع , التي ان أردت أن تدخل من خلالها فعليك أن تنحني , وكأنك تقدّم الاحترام , وتعبّر عن انبهارك بالمنظر الجميل الاخّاذ , للأشجار المزروعة بتنسيق جميل بداخلها , وتشكر أصحاب البساتين على كرم الضيافة بهديتهم من ثمر الرمان والعنب والنعنع , الذي لن تجد لرائحته الزكيّة مثيلا في أيّ مكان , ولتبهرك الهندسة التي يتبّعونها في ريّ بساتينهم , عن طريق أقنية تأتي من الينابيع دائمة الجريان .
وصلا الى طرف البساتين , ليشاهدا نساء بصحبة أطفالهن , يقفن حاملات للشموع بجوار صخرة فيها فتحة , يبدو أنّ الماء الجاري في السيل قد فتحها مع الزمان , يتمتمن بكلمات ودعوات أن يديم الله عليهن وعلى عائلاتهن , الصحّة والامان وان يرزقهن ويبعد عنهن عين الحاسدين , تبسّم الاب الذي طوى الكتاب تحت ابطه وقال لابنه , لا تلتفت اليهن وادعي الله معي أن تبقى هذه البساتين مليئة بالخيرات , وأن لا يغور ماؤها ابدا.