تداعيات حرب غزة كانت تآمرالأنظمة والجامعة العربية
حرب غزة حلقة في سلسلة حلقات تتكامل وتترابط فيما بينها في مجال السياسة الإستراتيجية وحجم القوات والمقدمات والنتائج والأساليب العملياتيه والتكتيكية ، وقد جاءت هذه الحرب في ظل ظروف صعبة ، فالساحة الفلسطينية ممزقة بين معسكرين ، والساحة العربية ممزقة بين دول تعترف بالعدو الصهيوني ودول جاهزة للاعتراف ، ودول ممانعة ، والرأي العام العالمي تسيطر عليه الولايات المتحدة والعدو في ظل دكتاتورية اتصالية واحتكار وسائل الإعلام وغياب إستراتيجية إعلامية عربية تؤثر في الرأي العام العالمي حتى صار الصوت الوحيد الذي يسمع في العالم هو صوت العدو الصهيوني ، وعلى الجانب الآخر هناك إجماع شعبي صهيوني يؤيد الحرب على غزة وقد اظهر ذلك بوضوح استطلاعات وكانت نتيجته أن الصهاينة يؤيدون الحرب على غزة ,
تداعيات هذه الحرب ما زالت مستمرة وفي تصاعد مستمر على كل الساحات الفلسطينية والصهيونية والعربية والإقليمية والدولية ، فعلى الساحة الفلسطينية كشفت هذه الحرب مجموعة من الحقائق من أهمها أنها وضعت الشعب الفلسطيني على عتبة الحقيقة وعادت بالصراع إلى بداياته الأولى لأن الصراع في بداياته الأولى لم يكن صراعا بين شرعيتين ولكنه كان صراعا بين سكان أصليين وغزاة أجانب ، وذلك بالإضافة إلى إفشال مخططات العدو الصهيوني لأن الحرب على غزة كانت في الأصل والنهاية تهدف إلى تصفية الشعب الفلسطيني وجودا وجذورا في فلسطين ، وهذا إلى جانب حدوث انقلاب في موازين القوة وموازين الرعب ، وسقوط خيار التسوية وحل الدولتين ، وإيقاظ الوجدان الشعبي وتنبيه الشعور الوطني إلى الخطر الصهيوني والتوسع الاستيطاني وتهويد القدس ، وكسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، وكسر حاجز الخوف عند الشعب الفلسطيني ، وانتهاء أسطورة الضربة الصهيونية المفاجئة ونقل المعركة إلى داخل الأراضي المحتلة عام 1948 ، وإلحاق خسائر كبيرة في صفوف العدو الصهيوني وخاصة الخسائر البشرية لأن العنصر البشري هو اغلي ما يملك الكيان الصهيوني وأصعب ما يمكن تعويضه ، وكشف وجه العدو الصهيوني الحقيقي إمام الرأي العام العالمي ،
وكذب أسطورة طهارة السلاح الصهيوني واستعمال أسلحة محرمة دوليا ، ومنع العدو من تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة في وقف إطلاق الصواريخ وتفكيك البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية والقضاء على المقاومة وانتصار تكنولوجيا الإنسان على تكنولوجيا الآلة وتحويل دبابات الاحتلال إلى قبور متحركة ، وكسر العدو الصهيوني لأن ما حدث في غزة كان اكبر من انتصار للمقاومة وأكثر من هزيمة للعدو وعملائها لأن معنى أن لا تحقق الصهيونية أهدافها رغم كل هذه القوة الاستراتيجة الجوية والبرية والبحرية في هذا النطاق الإقليمي الضيق الذي لا تتجاوز مساحته 363 كم2 وأمام المقاومة أقل عددا وتسليحا بما لا يقاس يعني هزيمة العدو وعملائها ، ولأن استمرار المقاومة بعد كل هذه الحرب رغم كل هذه القوة يعني انتصارا المقاومة ، لكن تداعيات الحرب على الساحة الصهيونية ورغم أن العدو الصهيوني كان قد استطاع في البداية أن يسوق هذه الحرب على أنها حرب ضد الإرهاب إلا أن سير العمليات العسكرية والاستخدام المفرط للقوة كشف زيف هذا الادعاء وزيف ادعاء أسطورة طهارة السلاح الصهيوني وخاصة بعد أن استخدم العدو الأسلحة المحرمة دوليا ، كما كشفت هذه الحرب عن نفاق اليسار أو ما يسمى باليسار في الكيان الصهيوني الذي لم تشهد تل – أبيب أو أي مدينة في الوطن المحتل أي مظاهرة له ضد الحرب وحقوق الإنسان والقانون الدولي والقيم الأخلاقية ، ووقف متفرجا على هذه الحرب ،
لم ينجح سلاح الاستخبارات والهندسة في كشف حقول الألغام والعبوات الناسفة ، وذلك يالاضافة إلى الخسائر المادية التي بلغت طبقا لتقديراتهم ملياري دولار ولجوء الملاين الصهاينة إلى الاختباء في الملاجئ ، لكن اخطر تداعيات هذه الحرب على الساحة الصهيونية هي قناعة الصهاينة أن الفلسطينيون لن يقبلوا إلا بالعودة الى كل فلسطين ، وعلى الساحة العربية كشفت حرب غزة عن تعميق الهوة بين دول المساومة وشعوب العرب ، وعن قلب موازين القوة لصالح المقاومة ، وعن مشاعر الكراهية ضد الحكام العرب الذين فشلوا في مساعدة الفلسطينيين الذين يتعرضون إلى حرب إبادة في غزة ، وعن المظاهرات الشعبية في المدن العربية ، لكن ابرز ما كشفت عنه حرب غزة كان تآمر الأنظمة العربية والجامعة العربية على غزة ، لكن تداعيات الحرب على الساحة الإقليمية فقد كانت أكثر المواقف الرسمية الإقليمية وضوحا وشجاعة تتمثل في موقف الجمهورية الإيرانية الذي كان موقفا يمكن أن نقول انه لم يكن موقف حليف أو صديق أو شريك ولكنه كان موقف مع النفس ، ولكن دول المساومة العربية لم يرق لها هذا الموقف ، وهذا موقف وان كان يستحق الأسف إلا انه لا يستحق الاستغراب خاصة وان العرب في زمن الشاه كانوا يناضلون من اجل إبعاد إيران عن العدو الصهيوني وأمريكا ولكنهم اليوم يناضلون من اجل أن تعود إيران إلى العدو وأمريكا وأن تقطع علاقاتها مع سورية وحزب الله والمقاومة في فلسطين ، أما على الساحة الدولية فقد كانت أكثر المواقف شجاعة وصراحة هي مواقف دول أمريكا اللاتينية وذلك بالإضافة إلى مواقف الشعوب في كل القارات وخاصة مواقف نقابات العمال ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية , لكن وبعد كل هذا الانتصار ضد العدو وهذا التضامن الشعبي الكبير يبرز إمامنا حقيقتين ، الحقيقة الأولى وهي كيف نستطيع أن نستوعب هذا التضامن الدولي من خلال مؤسسة منظمة تضمن استمرارية هذا التضامن واستمرار فعالياته والارتقاء به ليكون سلاح ضغط ضد المعتدين الصهاينة ، والحقيقة الثانية وهي كيف يمكن للقيادة السياسية الفلسطينية وعلى مختلف تصنيفاتها ومراتبها التنظيمية ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني نقل المضمون الإنساني والأخلاقي لاحتجاجات المتضامنين إلى مضمون سياسي يؤكد للعالم أن الفلسطينيين سوف يستمرون في النضال حتى تحرير فلسطين المحتلة .
بقلم جمال ايوب