أول حركة تمرّد
لم يعجبني تعلّق الأولاد بالأجهزة الالكترونية التي يتفاعلون معها برموش العيون وبرؤوس الأصابع، حتى صاروا ينسون أنفسهم لساعات طوال وهم ينظرون، يبتسمون، يقهقهون، يسرحون، يحزنون في المستطيل الذي بين أيديهم منفصلين عن الواقع تماماً، حيث لم يعد صوتي مسموعاً وصارت نصائحي بترك الأجهزة والجلوس معنا أو تحضير الدروس تسقط على الأرض فور خروجها من فمي تماماً كطلقات مسدسات البلاستيك… كما أن شرعيتي تآكلت الى حد ما فلم أعد بنظرهم سوى كائن حي يرتدي “فانيلا” وسروالاً ويتجول بين الغرف بلا هدف..ولأنني الحاكم بأمر الله فقد أصدرت فرماناً بمصادرة جهاز “التابليت” وجميع الهواتف الذكية التي تحتوي على ألعاب…ثم غادرت كالعادة في مشوار قصير إلى السوق مطمئناً أن الأمور تسير وفق المعتاد .. بعد نصف ساعة وردني اتصال من أم العيال أن الأولاد غادروا المنزل إلى جهة غير معلومة وأنها تشتمّ رائحة انقلاب في الأفق ثم قاطعت حديثها بخبر عاجل أن احدهما قام بقصف شباك المطبخ بقشور رمان كما شاهدت فردة “شبشب” تحلّق على ارتفاع منخفض من غرفتي في خرق واضح للسيادة ..على الفور قمت بعمل تسجيل صوتي على “السكايبي” طمأنت العائلة فيه على سلامتي وأن ما يجري هي عملية تمرّد صغيرة سوف تنتهي في غضون دقائق و ها أنا بطريق عودتي الى البيت..
وبالفعل فور وصولي استمعت إلى تقرير مفصّل من أم العيال عن حركة التمرّد، وكيف وشوش “حمزة” شقيقه “عبّود” وغادرا المكان غاضبين خارج البيت بسبب مصادرة الأجهزة ، في نفس الوقت قالت “جونيا” قائد سلاح المشاة أنها شاهدتهما يغادران إلى سطح البيت في وقت باكر من فشل الانقلاب، هذا وقد حاولا أن يقطعا الماء عنّا بعد الاستيلاء على “محبس” الماء الرئيس الممتد من الخزّان…في هذه الأثناء استعدنا السيطرة على مداخل ومخارج بيت الدرج، وعاد كمبيوتري الشخصي للعمل بعد أن أعدنا توصيل “الراوتر” حيث رجع بث “النت” كالمعتاد، واحكمنا السيطرة على البيت بشكل كامل في غضون ساعات حيث أعلنت باقي العائلة “لميس”و”حسن” و”جونيا” موقفهم مع الشرعية رافضين حركة التمرّد تلك، ثم دعوتهم للنزول الى الصالون لحين تنظيف البيت تماماً من شظايا الانقلاب..”حمزة” العقل المدبّر للانقلاب الفاشل لجأ الى بيت عمّه..حيث طالبت بتسليمه حسب اتفاقية المبرمة بين الطرفين في تسليم المجرمين الخطرين…بينما تم القاء القبض على “عبود” خلف الخزان قبيل الغروب ومصادرة ذخيرته من “”بزر البطيخ والمعمول ” و استلام حمزة من على الباب ومن ثم تقديمهما لمحاكمة عادلة..
أووف..بدأت الحياة تتغير..وهم صغار كان ينصاعون لك ويطيعون أوامرك ..فتشعر أنك تدير بيتاً..عندما يكبرون قليلاً وينبت التمرّد على طباعهم..تشعر انك تحكم دولة وليس مجرد بيت صغير!..