بلدة الرميمين: جنة الفؤاد في مواجهة غربة القرار
كتب. هاشم عودة الصايغ
لا تزال بلدة الرميمين، تلك القرية الصغيرة المتربعة بين أحضان الطبيعة، عالقة في ذهني كجوهرة نادرة في قلب الأردن. تقع على بعد أقل من 15 كيلومترًا من العاصمة عمان، وتُعدّ ملاذًا لكل من يهرب من صخب المدن الكبرى وضجيجها.
قريتنا، التي تنبض بالحياة في كل زاوية، تشهد على جمال الطبيعة حيث الأشجار الخضراء الباسقة، والشلالات العذبة التي تجري مياهها في مساراتها، والهواء النقي الذي يبعث في النفس راحة لا تضاهى.
الرميمين ليست مجرد بلدة، بل هي قطعة من الجنة، جنة الفؤاد التي يراها القلب جمالًا وراحة، وتستقبل الزائر بابتسامة من الطبيعة التي لا تخطئ العين رؤيتها.
في كل فصل من فصول السنة، تكون الرميمين في قمة جمالها، حيث تختال الأرض بأثواب الربيع المزهرة أو بألوان الخريف الدافئة.
كما أن بساتينها المنتشرة بين تلالها تجعل منها وجهة مثالية للراحة والهدوء. لكن، كما هو الحال دائمًا، تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. ففي الوقت الذي يتمنى فيه أبناء الرميمين رؤية بلادهم تحتفظ بجمالها الطبيعي وتظل قبلة للمصطافين، جاء القرار الذي شكل صدمة لكل من يحب هذه الأرض. قرار بناء السجن في قلب هذه الجنة. قرار سرق من البلدة جمالها وهدوءها، وأحالها إلى ساحة ضجيج وعزلة.
عندما حاولوا تشويه هذه القرية الجميلة، شعرت كأنني أرى لوحة فنية رائعة يجلس شخص فاقد للبصيرة أمامها، ليعبث بها، يشوه تفاصيلها، وكأنما لا يعي ما تفقده الأرض من جمالية لا تعوض. هذه اللوحة التي كانت تشكل رمزًا للجمال والسلام، سيتحول جزء منها إلى مكان لا يناسب روح المكان ولا هوية أهله. كأن من اتخذوا هذا القرار كانوا يعانون من قصر نظر لا يسمح لهم بتقدير قيمة هذه الأرض، ولا يفقهون أن جمال الطبيعة هو جزء من الهوية الثقافية والإنسانية لهذه القرية. ومع ذلك، لم يفقد أبناء الرميمين الأمل.
فهم لا يزالون يقاومون هذا التدمير ويقفزون على جراحهم مستشرفين المستقبل. يذكرون دائمًا بأن الرميمين، على الرغم من كل التحديات، هي جنة الفؤاد، وستظل في قلوبهم، وأصوات شلالاتها وصوت الطيور سيظل يردد في آذانهم مهما حاولوا تغييبها. وأنا، ابن الرميمين المغترب، لا يسعني إلا أن أطالب كل الأردنيين الغيورين على وطنهم بأن يقفوا إلى جانب هذه القرية، لأن الحفاظ على الطبيعة وحمايتها هو واجب لا يتوقف عند حدود الرميمين وحدها، بل يشمل كل قطرة من الأرض التي تشكل هذا الوطن الغالي. فحفاظنا على جمال بلادنا هو في الحقيقة حفاظ على هويتنا وتاريخنا، وحق لأجيالنا القادمة أن تتمتع بكل هذا الجمال الذي لا يعوض.
يا أبناء الرميمين، يا أبناء الأردن، لا تتركوا قرارًا يخالف طبيعة هذا الوطن الجميل. فالسجن ليس مكانًا هنا. مكاننا هو في الطبيعة، حيث الجمال، حيث الحياة، حيث الحرية. نداء إلى صاحب القرار: إننا، أبناء الرميمين المحبين لوطننا الغالي، نطالب بتحويل هذا السجن إلى مشروع يخدم المنطقة ويحقق الفائدة لأهلها وللأردن بأسره. نطالب بأن يتم تحويل هذا المكان إلى فندق أو مركز تدريب أو حتى مستشفى، ليكون مرفقًا يخدم التنمية بدلاً من أن يكون أداة لتدمير جمال الأرض وهدوءها. يا شعبنا العزيز، في الوقت الذي نتحدث فيه عن تحقيق التنمية ورفع مستوى الحياة في المناطق الريفية، نجد أن بعض القرارات تأخذنا إلى الاتجاه المعاكس. بلدة الرميمين، التي وصفها جلالة الملك عبدالله الثاني بأنها “جنتنا وجنة الفؤاد”، لا تستحق أن تكون مقراً للسجون والمجرمين.
بل تستحق أن تكون وجهة سياحية فريدة، تحتضن الزوار وتمنحهم تجربة لا تنسى في قلب الطبيعة الأردنية. إننا نناشد المسؤولين في الدولة، وفي مقدمتهم جلالة الملك، أن يتم النظر في هذا القرار بعين المسؤولية والتقدير. نعلم أن الرميمين تستحق أكثر، وأن أبناءها يستحقون فرصة لتحقيق تنمية مستدامة تحافظ على بيئتهم الطبيعية وتلبي احتياجاتهم الحياتية. في الختام، إن الرميمين ليست مجرد مكان، إنها روح. روح الأرض التي تشبع القلب بالسلام وتمنح العقل أفقًا واسعًا للحرية. فإلى كل من يهمه الأمر، نناشدكم بأن تقفوا في وجه هذا التدمير، وأن تحافظوا على ما تبقى من هذه الجنة الصغيرة.