قراءة في كنّاشة معلّم
قراءة في كنّاشة معلّم
د . عودة ابو درويش
الكنّاشة , بضم الكاف , في اللغة مجموعة كالدفاتر تدرج فيها الفوائد والنوادر ولا سيّما للمعلّم , وهو كتاب للمؤلّف محمود العابدي , رحمه الله , الذي كان معلّما في الكليّة العلمية الاسلامية , أتى الى عمان بعد النكبة , وكان قد تخرّج من دار المعلّمين في القدس , ليعمل معلمّا في مدارس فلسطين , وفي عدّة مدارس في عمّان , اسس دائرة الثقافة والفنون التي كانت تعمل كوزارة للثقافة , ثمّ عيّن مستشارا في امانة العاصمة الى وفاته , وله الفضل في تأسيس مكتبة أمانة عمّان , وألّف أكثر من اربعين كتاب , منها التاريخي وأخرى عن التعليم وله مجموعة قصص , وأحدها الكتاب الذي جمع فيه خواطره حول التعليم , وسمّاه كنّاشة معلّم وصدر في عام 1972 .
يبدأ الكتاب بسرد عن أوّل تجاربه في التعليم , ونصائح للمعلّم الجديد , وكيف يجب عليه أن يتعامل مع الصف الذي يدخله أوّل مرّة , وهو لا يعرف التلاميذ , ولا قدراتهم العقليّة ومستوى فهمهم للمعلومات التي يلقيها عليهم , ومدى قدرته على اشراكهم في الدرس , وينصح المعلّم بأن عليه أن يكون فنّانا في التعليم وأن يستمع للطلبة , فأحيانا يكون أفكار بعض الصغار فيها أكبر الفائدة للكبار , وخصوصا للمعلّم . ثمّ يعرّج على علاقة المعلّم مع المجتمع , الذي في غالب الاحيان يحترم الطبيب والمهندس , والزعيم السياسي ولا يشكرون المدرّسين على عملهم المضنى مع الطلاّب , مع أنّهم يبذلون قصارى جهدهم في تعليم الابناء , الامر الذي يصعب على كثير من الآباء .
ثمّ يسرد مؤلّف الكتاب قصة مؤيّد الدين البغدادي عن التعليم أيّام صلاح الدين الايوبي , وينتقل في موضوع آخر الى التفاعل بين المعلّم والطلاّب , وكيف أن المشكلة الكبرى هي العزلة بين المدرّس والطالب , والفجوة الكبيرة بينهما , والتي ترجع لوضع المدرّس حدودا بينه وبين الطلبة , والتي تحرمه من الاستماع الى رأي الطالب في الدروس , وفي الحياة عموما . وينتقل الى خاطرة أخرى عن التربية والقومية والوطنيّة , وأثر المدرسة والمدرس في نشر الوعي القومي , وتجنّب الفرقة بين ابناء الشعب الواحد , التي لا تقود الاّ لتدخّل الغرباء بينهم , لإفساد حياتهم , ثم يكتب عن أهميّة استخدام اللغة العربية في التعليم وتجنّب الأجنبية , لان فهم المواضيع العلميّة والادبية يكون باللغة الأجنبية صعب على الطلبة .
وفي الكتاب كثير من المواضيع عن العقاب المدرسي والعلامات المدرسيّة , وتوجيه مواهب الناشئة , وعن لذّة قراءة الكتب , وعن التضحية في سبيل الغير , وعن تعليم الاطفال في دور الحضانة , وتعليم المتأخرّين عقليا , والاحداث المنحرفين والمعرّضين للخطر , ومكافحة الاميّة , وغيرها من المواضيع التي تهمّ المعلّم , ومع أنها تجارب كتبت قبل أكثر من أربعين سنة , الاّ أنّ فيها فائدة كبيرة لمعلّمي المدارس وأساتذة الجامعات اليوم , لما فيها من طرق للتعليم نتجت عن خبرة في الحياة لمؤلّف الكتاب , رحمه الله .