الأخضر في زرقة العقبة
على الرغم من أني لست ببعيد عن متابعة الحراك الذي ينبش بالممارسات غير الفضلى التي تفعلها بعض الدوائر والشركات الحكومية في الأردن، إلا أني صُعقت عندما إستمعت إلى حلقة الأمس على قناة جوسات، وهي حلقة بث مباشر طلت فيها علينا سعادة النائبة المحترمة رولا الحروب لإطلاع الجمهور الأردني على ما تيسر من تقرير ديوان المحاسبة لسلطة منطقة العقبة الخاصة وذراعها الإستثماري شركة تطوير العقبة.
جهد مبارك وخطوة غير مسبوقة قامت بها اللجنة المالية بمجلس النواب السابع عشر، وقد تكرر أمامي المشهد المأساوي الذي شاهدناه عندما بكى النائب السابق الدكتور أحمد الشقران بعد أن أجهض المجلس السادس عشر جهود لجنة التحقق النيابية في خصخصة شركة الفوسفات (وقد جاء تقرير لجنة تقييم التخاصية ليؤكد على ما كشفته لجنة الشقران وزملاءه) إلا أن بعض أعضاء المجلس المحترمين، أدركوا أن لا بديل عن الحماية الشعبية، فقرروا أن يتوجهوا الى الرأي العام لعرض الأرقام التي تؤكد أن الفساد في العقبة موثق من قبل أعلى سلطة رقابية محاسبية في البلد، والذي إنشيء منذ عهد الإمارة في العام 1928، وأفرَد له الدستور الأردني المادة 119 وصدر بموجبها قانون ديوان المحاسبة رقم (28) لسنة 1952 ومن ثم عُدل القانون سنة 2002 ويتبع الديوان لمجلس النواب الأردني كونه المعني بالرقابة والتشريع في المملكة.
نعلم أن كثير من المؤسسات والشركات التي تساهم فيها الحكومة لا ترغب برؤية مندوبي ديوان المحاسبة، لا بل أني شاهدت ممارسات غير محترمة يقابلون بها من قبل بعض المسؤولين، ويتم التضييق عليهم إما بإخفاء المعلومات أو بحجب الوثائق الضرورية لتنفيذ الواجب الموكل اليهم بموجب الدستور، وقد أكدت لجنة إنقاذ العقبة النيابية على ذلك، حيث عطلت شركة تطوير العقبة عمل الديوان، لسنوات عده تمكنوا فيها وبعد مرور سبع سنوات على تأسيس السلطة من فتح بعض الملفات، ولمرة واحدة إعتبارا من 2007.
لا يتسع المجال هنا لذكر الأرقام، ولكن الخلاصة تكمن في أن هناك عدم تطابق بين أسعار العطاءات المحالة، وبين المبالغ المصروفة، والفروقات لا تعود لأوامر التغيير التي وصلت ببعض العطاءات لأكثر من ألف بالمئة (مئة ضعف الرقم الأصلي) بينما القانون لا يسمح بتجاوز ربع الرقم الأصلي وهو 25%.
الجيد أن بين أيدينا تقرير عن أعمال سلطة منطقة العقبة الإقتصادية (الخاصة) ويبدوا انها فعلا (خاصة) وذراعها الإلتفافي شركة تطوير العقبة التي إعترضنا على تأسيسها في أكثر من مقالة، لا لشيء سوى أن كونها حكومية يتناقض مع فكرة المطور الذي يجب أن يكون من القطاع الخاص، وإلا فما الحاجة لأن تكون السلطة حكومية، والذراع الإستثماري حكومي 100%.
أسئلة كثيرة طرحناها منذ سنوات، وتم مكافئتنا بمزيد من التضييق علينا، لدرجة إستثنائنا من اللجان والمؤتمرات والفعاليات التي تمكننا من الإطلاع على ما يجري، ولكن عزائنا في نمو الحراك المؤسسي الذي أصبح يجيد فن الإستقصاء المستند الى القلم الأخضر لديوان المحاسبة الذي سيعيد الزرقة لبحر وسماء العقبة الذي لوثه سواد أرقامكم التي ستنتهي في قاعات القضاء الأردني النزيه … وسيكون الإصلاح على الطريقة الأردنية، شعب صبور، يمهل ولا يهمل.