0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

الكرسي أم الموت

 
   
يتضمن هذا المقال حال الزعماء العرب الذين يلتصقون بكراسيهم التصاقا عجيبا قد يكلفهم حياتهم في كثير من الأحان ، معظمهم حكام لا يستطيعون فعل أي شيء أبدا لا لشعبهم ولا لأنفسهم ولا لوطنهم ، لجهلهم وتقصيرهم ، وعدم فهمهم بأمور السياسة ، وعدم قدرتهم على إدارة شؤون أمتهم وبلادهم ..
ومع ذلك قد نجد بعضهم عملاء وخونة من الدرجة الأولى ، بل وكثيرا ما تفضحهم أعمالهم المشينة ، وعلاقاتهم المشبوهة مع الغرب ، وهناك أمثلة مزرية حدثت ، قبل أشهر ، تحدثتْ عنها سيفي ليفني الوزيرة الإسرائيلية الشهيرة بعهرها صاحبة المقولة المخزية (سأفعل كل شيء من أجل اسرائيل) ، حيث هددت بعض زعماء التحرير الفلسطيني ، أولئك الذين ركعوا تحت أقدامها ، واستطاعت إن تعد لتصوير واقعهم المزري على كاميرات خاصة ، وهم متلبسون بالجرائم الأخلاقية ، وأبقت على أشرطة فيديو للمشاهد التي تم تصويرها في تلك الليالي الحمراء ، فهي تهدد بنشرها بين الحين والآخر ، كورقة رابحة عند محاولة الفلسطينيين الضغط على إسرائيل في المفاوضات …
العرب الذين تستهويهم الشعارات ، فيسارعون إلى وضع ثقتهم بأشخاص يرتدون لباس الوطنية المزيفة ، أو يتزيون بزي رجال الدين الإسلاميين ، وهم في حقيقة أنفسهم عراة لا تغطي عوراتهم سوى أوراق من وهم ، سرعان ما تتكشف عنهم لتبدي سوءاتهم للملأ بشكل فاضح ولا أخلاقي ومقيت .. فالوطنيون الذين أصبحوا ضحايا لأفلام الخلاعة التي استطاعت ليفني تسجيلها عنهم ، وهم بكل أسف يمثلون النضال الفلسطيني من منظور العرب ، لعدة عقود مضت ، بل كانوا كذلك يمثلون أقطاب التحرير الفلسطيني ، فكان الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني المخدوعين بهم يؤمنون بهؤلاء إيمانا أعمى ، ويفوضون أمر التحرير لهم بدون شك أو نقاش ، وما أن تكشفت الحقائق والأمور وافتضح أمرهم حتى بات الفلسطينيون وغير الفلسطينيين يحسون بالإحباط ويدركون المرارة التي تنتظرهم إلى حد بعيد ..
لم تكن اتفاقيات (كامب ديفيد) في زمنها ، لترضي بعضَ الفلسطينيين بحلٍّ جذري للقضية الفلسطينية ، حيث اعتبروا بأن مثل هذا الحلَ منقوصا .. طالما أنه لن يعيد للفلسطينيين حقهم المغتصب بالكامل ، بل اقتصر على ما احتل من الأراضي الفلسطينية في عام 1967 فقط ، لكن بعض الفلسطينيين أرادوا استرجاع جميع الأراضي الفلسطينية شبرا شبرا ودون قيد ولا شرط .. ولذلك فقد أفشلوا مخطط ( كامب ديفيد ) فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية .. فبقيت عملية التحرير رهنا بالوطنيين المخلصين الذين حملوا على عاتقهم مهمة النضال والقتال والاستشهاد .. وهكذا وفي ظل تلك الظروف فقد ضاعت فلسطين بالكامل ، وقُتل من أبنائها جميعُ الشرفاء .. وبقي الجبناء والعملاء والخونة من رموز التحرير ، يرتعون في أحضان ليفني إلى اليوم …
تغيرت الخارطة العربية ، وظلت تتأرجح يمنة ويسرة ، والدول العظمى في الغرب والشرق ، تبتز القادة العرب ، وتبدد ثرواتهم ، بل أمعنت بعد إقناعهم بأن شعوبهم خطر عليهم ، وأوعزت بفتح أسواق الأسلحة منتهية الصلاحية أمام تجار السلاح والضمائر العرب ، وفتحت لهم مستودعات الخردة في مصانعها على مصاريعها ليشتري منها العرب ما شاءوا ، على شرط أن لا تستخدم تلك الأسلحة ضد العدو الصهيوني ، وهكذا بدأ التحول في الشرق الأوسط رويدا رويدا ، إلى أن وصل الحال في أقطارنا العربية إلى هذا الوضع المزري ..
كانت النظرة الشاملة لجميع القوى التحررية في العالم .. يُنظرُ لها من منظور واحد .. هو أن كل قوة تحررية تحت الشمس ، قد تهدد أمن اسرائيل ، وإن لم تهدد أمن اسرائيل فهي على أية حال قوة !! ، يمكن النظر لها على أنها قوة قد تهدد أمن إسرائيل سواء من قريب أو من بعيد ، ولو على المدى البعيد .. بل وتهدد الأمن والسلام العالمي برمته ، لأن قوة تحررية قد تنشأ في العالم ، يمكن أن يمتد نفوذها بحيث تضع يدها بأيدي قوى أخرى هنا وهناك . وهكذا يتم تحت هذا الشعار تجييش العالم كله ضد أي قوة تحررية في أي قطر عربي بالذات ، كي لا يصبح له من القوة ما يمكنه من الدفاع عن قضايا العرب وأمنهم وسلامة أراضيهم .. كما جُيِّشتْ الأمم المتحدة كذلك ومجلس الأمن تحت الشعار نفسه ، كل ذلك يتم بأسلوب قذر ، من أجل اتخاذ القرارات الجائرة بحق الدول العربية وقادتها الذين لا يستطيعون الوقوف أصلا أمام جبروت أمريكا ولا غير أمريكا ، سوى برفع الشعارات المعادية لإسرائيل ، والتي لا تعدو عن كونها بالونات هواء ، كالتي ظلَّ يطلقها بعض الثورجيين من الزعماء العرب إلى حد قريب ، كإثبات لوجودهم البغيض أمام شعوبهم المقهورة التي ظلت تنتظر التحرير والنصر ورمي إسرائيل في البحر لأكثر من ستين عاما وما زالت إلى اليوم …
واليوم ، وبعد أن قضى عدد من الزعماء العرب تباعا ، قتلا وتنكيلا على أيدي شعوبهم وبمؤمرات من الخارج ، وقد ساعد على ذلك ، عدم وجود أي خيط من الود والمحبة والثقة ما بينهم وبين شعوبهم ، فقد جاء دور بشار الأسد ، الذي قاتل شبعه منذ قرابة ثلاث سنوات ، قاتل من أجل الكرسي والسلطة ، وقد كان مهرُ كرسيه غاليا جدا ، حيث قتل لغاية الآن أكثر من مائة ألف وعشرين ألفا من أبناء سوريا العروبة عدا مئات من الآلاف الأخرى من المصابين ، مستخدما جميع أنواع الأسلحة ، المحرمة وغير المحرمة ، أسلحة لم يستطع يوما توجيه فوهاتها نحو العدو الإسرائيلي .. كما لم يستطيع غيره من الزعماء العرب ، إطلاق ولو طلقة واحدة عبر الحدود باتجاه العدو الصهيوني ..
إسرائيل التي تتمادى على الأمة ، وتقتل الكبرياء فيها ، وتنتزع الإرادة ، وتملي شروطها البغيضة في كل المفاوضات التي تتم تحت إشراف دولي ، وما زالت تحتل مرتفعات الجولان التي لا تبعد عن الشام سوى بضع كيلو مترات ، وتحل كذلك مزارع شِبعا منذ عام 1967 لم يكن باستطاعة لا الأسد الكبير الهرم ، ولا الأسد الشبل ، ولا غيره من الزعماء العرب الذين لم يكونوا أبدا أسودا ولا ذئابا .. من قبل بقدر ما كانوا من فصيلة الثعالب المخادعة .. الجبانة ..
وهكذا بقي الأسد ثعلبا ، حيث ورث الثعلبة عن والده الذي جثم على صدر الشعب السوري حوالي أربعين عاما ، والعرب يدركون بأن فترة الولاية أو الرئاسة هي أربع سنوات ، ولكن بفعل ظروف القهر والاستبداد والاستهتار بدستور الأمة والسلطة القهرية التي كانت تمارس ضد شعوبنا العربية كلها ، كانت الولاية في عالمنا العربي تدوم من المهد إلى اللحد ..
جعفر النميري .. رئيس جمهورية السودان وربيب الناصريين .. حكم السودانيين الشعب الأسود العريق لعقدين من الزمن ، لم يتقيد بدستور الأمة ، فكان لشعبه منه نصيبا من الاستبداد والظلم ردحا من الزمن .. لكن الشعب الذي أعلن الثورة البيضاء على الرجل المتمرد الملتصق بالكرسي التصاقا ، أجبره على الرحيل إلى مصر لكن كرسيه لم يلطخ بالدماء ولم يقتل الجيش السوداني البطل أيا من أبنائه أبدا ، تلى بعد ذلك تنصيب رجل عبقري ، أُتيَ به من أشراف العرب ، تميز بخلقه ودماثته وإخلاصه لوطنه وشعبه العريق ، رجلٌ امتاز بوطنية لم يشهد لها التاريخ مثيلا ، لم يعرف التاريخ مثلها ، وهو ابن السودان البار ( سوار الذهب ) الذي ضرب بحكمته أروع الأمثلة ، فقد نصبه أبناء السودان على رأس حكومة انتقالية دامت سنة ، تخلى بعد انقضائها سريعا عن الولاية تبعا للدستور ، فانقضت فترة ولايته التي كانت فترة لا أعتقد بأن التاريخ قد سجل مثلها لرجال مثل (سوار الذهب) احترم بذلك نفسه مثلما احترم مشاعر السودانيين الشرفاء ، رجل قد ضرب خلال فترة ولايته أروع الأمثلة بالعدل والإنصاف ، نال من خلالها احترام العالم بأسره .. (سوار الذهب) .. نعم لم يشهد التاريخ مثله من قبل ، إلا أنني أشبهه بخليفة المسلمين الخامس .. عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه ..
أحمد شاه مسعود .. ولعلي تطرقت لهذه الشخصية في مقال سابق .. سقط أحمد شاه مسعود في أفغانستان على تراب وطنه كرجل مجاهد وطني قارع الاحتلال الروسي ، سقط شهيد الواجب حينما أصدر قرارا عاجلا بعد الانتصار ، بتطبيق الشريعة الإسلامية على أرض أفغانسان المحررة ، ولم يمكث سوى القليل ، ثم قضى قتلا وغيلة ، بتفجير عبوة ناسفة في منصته التي كان يقف عليها لإلقاء أول خطاب سياسي له بعد تحرير أفغانستان من الروس …
صدام حسين .. الذي أخذته العزة بالإثم ، وصدام قائد أنا أحترمه بكل المقاييس ، مع أنه لم يكن عادلا مع شعبه ، وربما كان على حق في عدم تطبيق مثل هذا العدل ، لأن الشيعة والتركيبة الأساسية في الشعب العراقي التي أراها إلى اليوم لم تترك العراق وطنا وشعبا بحاله .. بل نرى العملاء في بغداد يسرحون ويمرحون ، ويرتعون بخيرات العراق تعسفا وظلما ، نراهم ما زالوا يقاتلون بشره لم يسجل التاريخ مثله ، يقتلون العلماء والأدباء والكتاب والمفكرين بدون رحمة ولا هوادة .. وما زال العرق بحالة عدم استقرار إلى أن يقيض الله للعراق رجال مخلصون أوفياء يخلصونه من براثن العمالة والجبن التي تستشري فيه …
صدام .. القائد المقدام صاحب الخطب النارية والعظمة مات ركلا بالأقدام ، وبأقدام من ؟ بأقدام أقذر خلق الله الذين اقتادوه إلى حبل المشنقة بكل خسة ونذالة وتفاهة وحقارة ، لكن شجاعته ووقوفه شامخا أمام حبل المشنقة ، جعل كل إنسان في الكون يحني له الهامة احتراما لتلك الوقفة الشجاعة … وهكذا قضى صدام صاحب الجبروت بفعل مؤامرة خسيسة دنيئشة ، وسحق هو وجماعته من المتسلطين وسقط تحت أقدام الظلمة بكل وضاعة واحتقار لم يشهد بمثلها التاريخ ..
معمر القذافي .. ملك ملوك أفريقيا .. هذا الرجل الذي ملأ الدنيا بأسرها تهديدا ووعيدا .. فقد هدد أمريكا بالزوال وأعلن الحرب عليها ، أكثر من مرة .. هدد هو الآخر بمحو الولايات المتحدة من الخارطة عدة مرات .. فقد ظلم هو الآخر وقتل وسجن من زوار ليبيا عددا من الزعماء الوطنيين العرب والعجم ، ومنهم مقتدى الصدر وغيره ، من أولئك الذين كانوا من المناوئين .. نعم لقد قتلهم بمؤامرات خسيسة لا يقبل بها عقل ولا منطق .. أسقط طائرة الركاب المدنية ( لوكربي ) فوق بريطانيا وقتل جميع ركابها الذين يقترب عددهم من أربعمائة مسافر بطرد يحتوي على متفجرات ، بدون ذنب لهم ارتكبوه ..
لقد ثار الشعب الليبي على معمر القذافي ، الذي كان يبدي في بداية الأمر مقاومة لم تشهد الثورات في العالم لها مثيلا .. فاستهان بالإرادة الشعبية الليبية الذين لطالما طأطأوا رؤوسهم أكثر من أربعة عقود كاملة ، ولكنه قضى في النهاية بكل خسة ونذالة وجبن على أيدي أبناء شعبه ، حيث استخرجوه ذليلا من مجارى المياه العادمة متوسلا مستسلما مسترحما ِأولئك الرعاع كي يخلو سبيله أو يحموه من القتل ، ولكنهم اقتادوه إلى مكان مكشوف وعلى مرأى من وسائل الإعلام ، نكلوا به وفعلوا ما فعلوا به ، وبكل خسة أساءوا معاملة قائدهم الذي كان إلى اليوم ، وبالأمس فرعون ليبيا وملك ملوك أفريقيا .. ثم قضى نحبه على أيدي أراذل الناس صاغرا مهانا …
علي عبدالله صالح .. الرئيس اليمني .. حاول الالتصاق بالكرسي فترة طويلة .. ولكنه انسحب بكبريائه أمام إصرار الشعب وتنحَّى عن الكرسي الحبيب قهرا وصغارا ، فاضطر تحت تلك الضغوط إلى ترك الوطن والشعب والكرسي لمن جاء بعده .. وانتهى حكمه بعد أن قضى الآلاف من شعبه وجنوده قتلا بمعارك ليست متكافئة …
حمد .. أمير قطر .. كان لا بد له من الانسحاب بهدوء ، حينما اكتشف العالم كله عمالته وخيانته للعرب ، واستغلال أكداس الدولارات والأموال القطرية بخزائنه من أجل إثارة الفتن والقلاقل في العالم العربي .. وحينما أيقن بأنه لا بد من الانسحاب ، كي لا يقضِ قتلا بنفس الطريقة المخزية التي قضى به غيره عن يد وهم صاغرون ، وهكذا فقد أراح واستراح …
بشار الأسد .. ما زال يلتصق بالكرسي .. قتلَ من شعبه مئات الآلاف ، غير الآلاف من المصابين ، دمر سوريا كلها عن بكرة أبيها ، سويت مدنها الجميلة وعماراتها الشاهقة بالأرض .. احترقت البيوت والمحال التجارية وكل شيء جميل ، حتى الياسمين السوري لم يسلم من الاحتراق ، بالأسلحة المدمرة وبراميل المازوت التي تسقط عليهم من الطائرات ..
يلتصق بالكرسي .. بكل شراسة ، وربما ما زال مقتنعا بأنه سيقيم عرشه على جماجم السوريين الأحرار ، والشعب السوري الذي راح ضحية لفتنة لم تكن من خيار الشعب السوري ، ولا من خيار الشعوب المجاورة ، التي ما زالت تعترف لسوريا بالجميل ، سيرحل بشار صاغرا كما رحل غيره من الزعماء .. لأن الدول الكبرى سواء الشرقية أو الغربية لن يكون بمقدورها أن تناصر فردا ضد إرادة شعب مقهور .. إن التاريخ قد سجل الكثير من العظات والعبر ، مثلما سجل انتصار الشعوب وكتب انتصارها بماء من الذهب ..
انسحب الروس بأساطيلهم ومدمراتهم ، من السواحل السورية العربية ، لتقف متفرجة على نهاية سوريا ، ولربما رحل بشار على متن تلك المدمرات أيضا ، ليترك الشعب السوري ينتظر مصيره أمام عناد بشار ، ولكن بشار على ما يبدو ما زال لم يفهم الدرس ولا التحذيرات بعد ، وسيقى مصرٌ على موقفه ، إلى أن تقتلعه هو وأتباعه إحدى صواريخ كروز المنطلقة من إحدى السفن الأمريكية الراسية في عرض البحر المتوسط تنتظر ساعة الصفر .. أو من سواحل فلسطين التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني ..
وقد تمطر سوريا ما بين لحظة وأخرى عشرات من صواريخ كروز ، ستجعل من بشار بقايا أشلاء ، وتجعل من سوريا كلها بقايا حطام ، أكثر مما وصلت إليه حتى الآن من دمار.. وستجعل كرسي بشار قطعا من الخشب المحطم ، لا يستطيع التاريخ لملمته أو إعادته إلى حالته التي كان عليها قبل الهجوم …
وكم أتمنى على بشار أن يفيء إلى المنطق والعقل ، ويوفر على نفسه السقوط الرهيب ، فما زال أمامه فرصة للهروب بروحه وببدنه من الهلاك وبحقارة واستسلام للإرادة الصهيونية ، بعد أن تنتزع عن بدنه أثواب الوطنية والكبرياء والأنفة .. لأنه لم يبق لهذه الصفات مكانة لنفسه .. ولأن الخيار ما بين الكرسي أو الموت أصبح صعبا ، ولكن الخيار الآن هو أن يكونا الاثنين معا دون انفصام أحدهما عن الآخر ….
والله من وراء القصد …