هل لهذا أن يصدر من سفارة ؟؟
من حق السفير السوري كمواطن سوري الدفاع عن بلده والذود عنه وتفنيد ما يراه من مزاعم باطلة بحق بلده مثلما يحق لنا ويجب علينا فعل الشيء نفسه بحال تعرض الأردن لأي سوء من داخله أو من خارجه. لكن نلاحظ أن السفير السوري بعمان كثير التصريحات والتلميحات التي تصيب الأردن الدولة والنظام وبنفس الوقت يمجد الشعب الأردني محاولا إبراز نوع من الإنقسام بين الشعب والدولة. وينحو هذا المنحى بشكل غير مباشر مستفيدا من تحفظ الشعب على التدخل الخارجي بالشأن السوري بذريعة ان التدخل لإنقاذ الشعب السوري.
ما نأخذه على سفير سوريا، خروجه عن الأطر الديبلوماسية التي عادة تراعى من قبل سفراء الدول عند التصريح أو إعطاء رأي يتعلق بالدولة المضيفة. وخروجه عن الأعراف الديبلوماسية يمكن أن يتركه للصحافة والإعلام والكتاب وأصحاب الرأي داخل سوريا. فهو كثير الإستفزاز والهجوم عندما يكتب بصفحته على الفيس بوك. وهو على الأرجح ينطلق من منهجية الحفاظ على وظيفته التي تقررها مؤسسة الدولة السورية. لكن ذلك لا يمنع أن يراعي السيد السفير الأصول الديبلوماسية التي تحترم خصوصيات الدولة المضيفة (الأردن) دون التطاول على بعض الشخصيات الأردنية والغمز من جهة النظام والدولة والسياسة الأردنية.
وعلى السيد السفير أن يقدر ويثمن عدم رضوخ الأردن لضغوطات سحب السفير الأردني من دمشق مثلما فعلت بعض الدول. لقد آثر الأردن الإبقاء على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين رغم الطلبات والإيحاءات والمكافآت التي قدمت بهذا الصدد لو تم سحب السفير الأردني.
بردها على وزير الإعلام الأسبق صالح القلاب ومن خلال مكتبها الصحفي، هالت السفارة السورية جملة من الإتهامات الخطيرة للقلاب والتي ينقصها الدليل والتوضيح. ورغم أننا نختلف مع الكثير من طروحات السيد القلاب، فإن اتهام شخصية أردنية بوزن السيد القلاب بالعمالة لأكثر من عشرة أجهزة مخابرات به خروج عن الأعراف الدبلوماسية التي كان يجب أن يتحلى بها ويراعيها السفير السوري المسؤول الأول والأخير عن مثل هذه التصريحات والردود. وهي اتهامات تصلح لزمن الردح للإمبريالية والقوى المتغطرسة وقد ثبت أنه ردح أجوف للإستهلاك المحلي ويتوافق مع المفردات الحزبية المدوية والتي لا تخرج لحيز التطبيق.
لقد تم وصف السيد القلاب بالعميل والمأفون والطالح وأن الرسن يصلح لأمثاله والرسن هو الحبل الذي يربط برقبة الحيوان لتسهل السيطرة عليه وتوجيهه. كما وصف بالرخيص والبوق المهترئ. وهذا الرد العنيف والهجوم الكاسح على القلاب جاء على خلفية مقال له بجريدة الرأي يهاجم به سفير سوريا والنظام السوري. وهذه ألفاظ لا يجوز بأي شكل ولا لأي سبب أن تصدر عن سفارة دولة. ولا نستدل منها إلا أن هناك نوع من الإستهتار والمشي على أن الإحجام الأردني عن الرد على مثل هذه المهاترات أعطى حقا مكتسبا بالتقادم للسفارة السورية أن تخرج عن الأخلاق الديبلوماسية دون أن تعبأ بالرد من الجهة المعنية وهي وزارة الخارجية بقيادة السيد ناصر جودة.
لقد كان الأجدر بالسفارة السورية أن تترك الرد لوزير الإعلام السوري أو أحد الوزراء المقالين أو أحد الكتاب السوريين. أما عندما يأتي الرد وبهذه الحدة من السفارة، فذلك خروج واضح عن البروتوكولات بين الدول والدبلوماسية والكياسة السياسية التي كان على السفير مراعاتها وعدم الإنزلاق للمهاترات والخطابات والشعارات التي تعيدنا لأيام الستينيات والسبعينيات والتي كانت أقوالا إعلامية للتعبئة النفسية وتوجيه الناس نحو أهداف وهمية لا وجود لها.
وهنا نتمنى على السيد القلاب التخفيف من التصدي والهجوم والتقريع لكل رأي لا يتفق مع النهج السياسي الأردني. ولا أظنني أبالغ أن السيد القلاب دائم التسويق للسياسات العرجاء وهي الغالبة. إذ يهاجم بقسوة كل من يختلف مع السياسة الأردنية وهي سياسة لا ينهجها أنبياء بل بشر يصيبون ويخطئون. كما أنه دائم التلميع المبالغ به للسياسات الأردنية والتي لا تتفق كثيرا مع الرأي العام الأردني.
فهو دائم الهجوم على الإخوان دون أن يترك هامشا للتحاور والمناورة مما يجعل مساحة تبادل الرأي والرأي الآخر أوسع وأكثر فائدة وإنتاجا. أما مبدأ أن من يختلف بالرأي مع الجهة التي يؤيدها فهو آثم ومن يتفق معها فهو مصيب، فهذا يندرج بسياق احتكار الحقيقة وامتلاكها وتهميش الطرف الآخر وإلغاء رأيه.
نحترم ونقدر شخص السيد القلاب ودفاعه المستميت عن الأردن ونحييه ونشد على يده كغيور على مصلحة الأردن مثلما نتوقع منه احترام رأينا وهو شخصية عامة يطل علينا باستمرار عبر الفضائيات يدلي بأرائه وطروحاته وتحليلاته التي تتعلق بقضايا الساعة التي تهمنا جميعا.وبالوقت نفسه لا نقبل من الآخرين سفارة سورية كانت أو غيرها أن تتهجم على شخصية وطنية أردنية نحترمها وتجعل منها مشجبا لفتح الأبواق التي ترعرعت على شعارات وأكاذيب وأوهام عقود مضت.
وأخيرا نأمل من الخارجية الأردنية أن يكون لها موقفا من السفير السوري وتوصل له رسالة مفادها التذكير بالأعراف الدبلوماسية التي تجاوزها والتي تنظم العلاقات بين الدول وتخلق الإحترام المتبادل بينها. كما نأمل منها أن تطلب من سعادة السفير أن يمتنع عن التصريحات والكتابات الإستفزازية وليتركها للداخل السوري. والسفير عندما يصرح ويكتب فهو يمثل دولة ونظام وهو مسؤول عن كل ما يدلي به ودولته عندها تتحمل مسؤولية وتبعات ما يدلي به. أما السيد صالح القلاب فهو وزير سابق وصحفي وكاتب يعبر عن رأيه الشخصي وليس عن رأي الدولة الرسمي ولا تتحمل الدولة الأردنية تبعات ما يقول إلا بسياق التعامل الأخلاقي.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com