0020
0020
previous arrow
next arrow

روسيا ….. حظر واحدة من ترجمات معاني القرآن إلى اللغة الروسية

0

حصل ما كان المدافعون عن حقوق الإنسان يخيفون به الناس. فهل حرّم القرآن في روسيا؟ طبعا لا، إن الذي حرّم هو إحدى ترجمات معانيه إلى اللغة الروسية.

حصلت فضيحة منذ سنة ونصف بعد اعتبار ترجمة كتاب الهندوس المقدس ‘البهاغافاد غيتا’ كتابا متطرفا، وقد تنبأ المعارضون لـ ‘مكافحة التطرف’ بأن المستقبل سيشهد تحريم كتب المسلمين والمسيحيين المقدسة. موجز الحادثة كالتالي، حسب المعلومات التي نشرتها وكالات الأنباء الإسلامية، فإن محكمة حي أكتوبر في مدينة نوفوروسيسك اعتبرت كتاب ‘تفسير معاني القرآن باللغة الروسية’ لمؤلفه الناشط الديني الأذربيجاني إيلمير قولييف، كتابا متطرفا.

وبموجب الشهادة الصادرة من مركز الطب الشرعي والتحقيقات الجنائية في إقليم كراسنودار، يحتوي الكتاب على مقولات تقيّم سلبا شخصا أو مجموعة أشخاص على أساس ديني (خاصة غير المسلمين)، كما يحتوي الكتاب على مقولات تشير إلى تفوق المسلم على أتباع الديانات الأخرى، ومقولات أخرى تقيّم الأعمال العدوانية للمسلمين بحق غير المسلمين ايجابيا.

أثار هذا القرار ردود فعل فورية من جانب المسلمين، وعبّر رئيس مجلس المفتين في روسيا راوي عين الدين عن سخطه في رسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتضمنت الرسالة نوعا من التهديد ‘أصدرت محكمة حي أكتوبر بمدينة نوفوروسيسك بإقليم كراسنودار.. قرارا استفزازيا صريحا بإتلاف الطبعة الأولى من ‘كتاب ترجمة معاني القرآن باللغة الروسية’ الذي ترجمه من العربية إيلمير قولييف، وليس مصادرته أو سحبه من الأسواق، بل بالذات إتلافه’.

إننا نتذكر كيف أثار حرق بضع نسخ من القرآن من قبل قس أمريكي مجنون احتجاجا شديدا ليس فقط من جانب المسلمين في روسيا بل والمجتمع الروسي برمته تضامنا مع الغضب العاصف والمستمر الذي انتاب مسلمي العالم وكافة أصحاب النوايا الطيبة’.

دفاع رئيس مجلس المفتين عن قولييف مفهوم، فقد ساهم المجلس في توزيع ونشر مثل هذه التراجم عبر المكتبات، لكن ترجمة قولييف صدرت عن دور نشر مختلفة، والطبعة التي حرّمت صدرت في المملكة العربية السعودية. إن مشكلة منع الكتب الإسلامية موجودة في بلادنا منذ مدة طويلة، وتشمل بالأساس الكتب والمؤلفين المرتبطين بمجلس المفتين، وليست هذه هي المرة الأولى التي يحتج فيها المجلس على قرار المحاكم المحلية في روسيا بتحريم الكتب المتطرفة.

إن النشطاء الاسلاميين إضافة إلى عدد من ممثلي المجمع العلمي، يطالبون منذ مدة طويلة بأن تمنح صلاحيات النظر في الأدبيات الدينية لمحاكم العاصمة فقط، وتشكيل مجلس خبراء مختص، يضم خيرة العلماء في مجال الدين، إلا أن الممارسات السابقة ما زالت مستمرة وقد وصلت كما نرى إلى ترجمة للقرآن باللغة الروسية. ولا يمكن لأحد أن يستبعد حصول الأمر نفسه مع الإنجيل، لأنه كتاب مترجم أيضا، وما يسمى بنسخة الملك جيمس ليست النسخة الوحيدة، الترجمة الوحيدة، فهناك تراجم عديدة غيرها. ودور النشر البروتستانتية تصدر تراجم محدّثة لكتاب العهد الجديد خاصة.

كما أن هذه الدور تقوم بتوزيع هذه الإصدارات بنشاط، حتى أنها وزعت مجانا في معرض موسكو الدولي للكتاب الذي نظم مؤخرا، وهناك محاولات لوضع تراجم علمية لبعض أجزاء الإنجيل ومن ضمنها الشعرية.

وكما هو معروف فبعض أجزاء كتاب العهد القديم كتبت على شكل أشعار، حيث يمكن بسهولة ملاحظة التحريض في ترجمتها خاصة إذا لم يكن لدى المحاكم المحلية إمكانية للتشاور مع خبراء مختصين بالإنجيل، لابد من أخذ اتجاههم المذهبي في الاعتبار.
من جانب آخر قد تكون المحاكمة ناتجة عن عدم كفاءة الأطراف، فمثلا لا تحظى المعارف الإسلامية لإيلمير قولييف بثقة كافة رجال الدين الإسلامي في روسيا، فبعض الزعماء الدينيين، حتى المتأثرين بالأفكار الوهابية في التفسير، يصفون هذه الترجمة للقرآن بغير الملائمة.
يمكن أن نصف قولييف بالعصامي في دراسة اللاهوت، فهو طبيب أسنان ودافع عن أطروحة دكتوراه في الفلسفة ‘القرآن والعولمة’، ويحاول البعض تقديم ترجمته للقرآن على أنها ‘استمرار منطقي’ للترجمة التي وضعها الأكاديمي إغناتي كراتشكوفسكي. لكن هل يحتاج كراتشكوفسكي الذي كان عضو أكاديمية العلوم الروسية ومدير معهد الاستشراق إلى مثل هذا المتابع؟ ولماذا لم يعثر في المعاهد الأكاديمية بموسكو على خبير يقيّم ترجمة القرآن؟

يمكن اعتبار انخفاض مستوى التعليم الديني ومن ضمنه الإسلامي سببا مهما لاستمرار النزاعات والمشاكل القضائية، حيث لم تتمكن أقسام العلوم الدينية ومختلف صناديق دعم الثقافة الإسلامية ومن ضمنها الحكومية ولا المؤسسات التعليمية الدينية من رفع هذا المستوى. وكما قال شاعر مسلم ‘إن مناقشة العلوم مع جاهل، كرمي حبة القمح في أرض سبخة’.

المجتمعات الدينية لم تتمكن من الاتفاق فيما بينها، ليس بشأن توحيد الأفكار، بل بشأن المتطلبات التي يجب أن يتصف بها الخبراء، بل على العكس من ذلك تستخدم هذه المشكلة في النزاعات. في مثل هذه الظروف تصبح مطالبة المجتمع الديني بدور المحافظة على السلام والمشاركة في تشكيل الفكرة الوطنية، أمر سابق لأوانه.

وتجدر الاشارة ألى أن صحيفة ‘روسيسكايا غازيتا’ كانت قد نشرت في عددها الصادر في 21 سبتمبر/أيلول، موضوعا حول قرار المحكمة المذكورة يتضمن تاريخ وصول الكتاب إلى مدينة نوفوروسيسك، وقرار المحكمة بالموافقة على طلب الادعاء العام بإدراج هذا الكتاب في قائمة الكتب المتطرفة.

إضافة لذلك نشرت الصحيفة تصريحات نائب رئيس مجلس المفتين روشان عباسوف، التي جاء فيها أن ترجمة قولييف هي ترجمة بلغة مفهومة للناس المعاصرين، ليس المسلمين فقط، بل وأتباع الديانات الأخرى، وأن الترجمة حصلت على تقييم ايجابي من جانب الإدارات الدينية في روسيا ومن ضمنها مجلس المفتين.

صدر الكتاب في المملكة السعودية حيث هناك تقليد إهداء القرآن للحجاج بلغتهم الأم. أما الباحث في الدين الإسلامي رومان سيلانتيف، فيقول، لم يحرّم القرآن أحد، وهذه ليست ضربة ضد الإسلام.. بل هي كما يبدو ضربة لمجلس المفتين الذي يحظى باهتمام من جانب أجهزة الأمن. في حين هناك منظمات إسلامية مثل دار الإفتاء الروسية ومواقع الكترونية تؤكد أن هذه الترجمة تتضمن أفكارا وهابية. ويعتقد العديد من زعماء الإسلام أنه لا حاجة لترجمة القرآن، لأنه في هذه الحالة لا يمكن تجنّب التحريف.