لوغرتمات قومية!! *
بقدر ما دخلت الجامعة العربية عمق المشهد هي الآن خارجه، ما دام الحل والربط في موسكو وواشنطن وأحياناً في المسافة بينهما، وما يقال عن كونها جامعة دول وليس جامعة شعوب يبدو متأخراً عن موعده ستين عاماً، ونذكر أن اطلاق اسم جامعة على مؤسسة علمية كالتي انشأها الملك فؤاد في مصر مطلع القرن الماضي أدى الى خروج مظاهرات تندد بهذه التسمية لأن الجامع لا يقبل التأنيث كما قال بعض هؤلاء، ومنذ تلك الايام والعرب يراوحون بين اصالة لم يستطيعوا الحفاظ عليها وبين حداثة لم يبلغوها فاصبحوا كالمنبت الذي لا طريقاً قطع ولا ظهراً أبقى.
وقد تكون «المنبتون» هي الادق في وصف هذا التيه فما من بوصلة يمكن الإرْكان الى حركة سهمها، ما دام الشرق يصبح غرباً في اقل من دقيقة، والشمال يصبح جنوباً اذا هبت عاصفة لا سبيل الى التصدي لها!
فما الذي أنجزه عالـَمٌ عربي بسعة قارة ويكتظ بثلث مليار نسمة لم يتحولوا الى مواطنين خلال كل تلك العقود اذا كان الأمر لا يزال بيد أولي الأمر كأننا ما رحنا ولا عدنا وكأننا كتبنا وما كتبنا ويا خسارة ما كتبنا وقرأنا، فالثروة الباهظة تحولت الى عبء كما تحولت الأسفار على ظهر حمار اشارة الى الآية الكريمة التي فرقت ببلاغة فائقة بين الحامل والمحمول.
قديماً انتظر الغساسنة والمناذرة ما يصل اليهم من الفرس والروم، وتحولوا الى مصدات لا أكثر ولا أقل.
فثمة على الدوام في هذه الجغرافيا الماكرة شرق وغرب وأكاسرة وقياصرة، وتخوم وثغور, وعلينا ان نكون هنا أو هناك لكن الحصيلة هي ذاتها وهي أننا بين مطرقة وسندان، فلا الجامعة جمعت ولا الارض اتسعت لمن تكاثروا ثم اختاروا فقه الأميبا في الانشطار.
ليس معنى ذلك أننا نتبنى ما قاله غلاة المستشرقين عن عقلنا باعتباره قاصراً أو كما وصفه المستر طومسون أشبه بثمرة الصبير التي ما أن تنقى من بذورها حتى تتلاشى.
لكننا نقدم لهؤلاء ما يسند أطروحاتهم وبتحولنا الى أمثولات في الانتحار الأهلي، نصبح عبرة للآخرين يتلقحون بها ضد تكرار ما يجري لنا.
ما من هزائم موزعة بالتساوي كهذه التي نتقاسمها ونحن نصفق لزيد وهو يقتل عمرو أو لعمرو وهو يشنق زيدا.
لهذا حبذا لو نستدعي ما تبقى من خجل كي نحذف كلمة الانتصار من هذا المعجم الصادر حديثاً والذي يعيد تعريف الحليف والعدو ويعبث بالأولويات كلها بحيث يصبح الذنب بديلاً للرأس.
فأية رياضيات بل لوغرتمات قومية هذه التي أعادتنا الى داحس والغبراء والى جدتنا البسوس؟