حُســن سـلـوك جـامـعـي *
منذ انتهاء الاحكام العرفية لم يتردد اسم الوثيقة الاشهر في الاردن “ شهادة حُسن سير وسلوك “ كما يتردد الآن وبمطلب برلماني , وهذه المرّة لطلبة الجامعات , والاقتراح النيابي يطالب بأن تمنح الجامعات شهادة للطالب بعد تخرّجه تفيده بسلوكه الحَسن اثناء الدراسة الجامعية , والشهادة تكون شرطا من اشتراطات الدخول الى سوق العمل العام والخاص .
الاقتراح مبادرة نيابية لوقف عنف الجامعات , وتدخل في باب النوايا الحسنة ولكنها من النوع الذي يقود الى جهنم , فهي – اي الشهادة – تقول بالفم الملآن ان الطالب الاردني وبعد حصوله على شهادته الجامعية لا يكون مؤهلا للعمل دون ختم السيرة والسلوك , فالطبيب الذي ينهي دراسته بتفوق عليه انتظار الختم الجديد , فأي نهاية محزنة لمعنى الشهادة الاكاديمية يحمله الاقتراح ؟
وأي معنى او اي دور للجامعات الاردنية في صقل شخصية الطالب الجامعي وإعداده للحياة اذا نجح الاقتراح , فشهادة حُسن سلوك الطالب او عدم منحه الشهادة هو دليل ادانة للجامعات الاردنية ودليل قاسم لظهر التعليم الجامعي ولمستوى الشهادة الجامعية الاردنية التي تتراجع تحت وطأة العنف وتراجع دور البحث الجامعي والتأهيل العملي .
الاقتراح ليس هروبا الى الامام حسب تحليل المختبر السياسي , بل تراجع الى الخلف في المعنى الديمقراطي وفتح ابواب الجامعات لتكون مصنعا لقادة المستقبل او للاجيال القادمة وفيه الكثير من شُبهة سوء التطبيق والضغط على الطالب بقضايا معرفية وسياسية سيتم استخدامها لاحقا , فالشباب بحاجة الى خطوة الى الامام والى تحفيز لدخول المعترك السياسي بوصف هذا المعترك احد اركان الخلاص من العنف الجامعي الذي تقدّم بعد التقهقر في العمل السياسي داخل الجامعات , فلا يوجد طالب من طلاب جيل الثمانينيات وبواكير التسعينيات يتذكر انه شاهد ملمح عنف جامعي .
الاقتراح مع احترامنا لنوايا مطلقيه هروب من استحقاق سياسي ومن استحقاق اكاديمي يجب دفعه الآن وبسرعة , فالجامعات قدّمت اسوأ نماذج العمل الاكاديمي بصيغته المدرسية في الجامعات وتخلّفت تحديدا في الكليات الانسانية عن النماذج الواعية في التعليم العالي , الذي احتكر العنف وترك التعليم الاكاديمي الناضج للكليات العلمية التي تحقق كل يوم تقدما نفاخر به الاقليم , فطائرة الطفيلة وروبوتات التكنو تشهدان بذلك .
والاقتراح استسهال الحلول على حساب الاجيال القادمة والجيل الشبابي الحالي , فنحن من اورثناه اسوأ ما فينا وعاقبناه على ورثتنا , وهروب من معالجة الاخطاء والخطايا التي ارتكبها وزراء التعليم العالي في الجامعات ونتيجة لتدخلات متعددة في المؤسسات الاكاديمية من التدخل في ترقية استاذ الى تعيين رئيس جامعة .
اما التركة الاصعب فهي تركة انعدام الامل امام جيل فتح صدره للدنيا فأغلقنا طاقات الفرج والامل في وجهه بإنتشار الفساد وتكريس مبدأ الواسطة في التعيين وتناقل المناصب بالتوريث , فدفعناه الى الاحباط بدون رحمة او شفقة على شبابه , وأخرجناه الى الدنيا بكرتونة ورقية ليس لها اية دلالة اكاديمية او اي معنى معرفي .
الاقتراح يعاقب الضحية ويمنح المخطئ شهادة براءة من خطاياه على غرار صكوك الغفران في محاكم التفتيش , بدل ان يبحث عن حلول حقيقية للعنف الجامعي الذي يحصد مستقبل وارواح شبابنا ويُنهي حياتهم البيولوجية والمستقبلية دون وازع من ضمير .