النسخة الاصلية من الدين *
كثرمشكلة يواجهها المسلمون هذه الايام،تتعلق بطريقة قراءة الدين،والنص القرآني والحديث النبوي،والتأويلات لهذه النصوص،وهي مشكلة أدت الى شق صفوف المسلمين،والى اختلافهم جذريا بين بعضهم البعض.
يتجلى الامر في الفتاوى،واذا ذهبنا لسؤال عالم دين عن قضية محددة اجتماعية او سياسية او اقتصادية،لأعطاك رأيا قد تجد عالم دين اخر يعطيك عكسه تماما،دون ان يرف له جفن.
هذا على الرغم من الاتكاء على مرجعية واحدة في النص الديني،غير ان الاختلاف ينبع من طريقة التفسير والتأويل والاجتهاد.
سياسيا تجد من يأتيك ويحلل دم الحاكم أو كل من يعمل مع الدولة عسكريا أو مدنيا،وقد يأتيك رأي مغاير تماما يعتبر ان ولي الامر يتوجب طاعته وعدم الخروج عليه،وقد يأتيك رأي ثالث يقيم الامر وفقا للحالة ذاتها بعيدا عن القياس والمقارنة.
سيأتي من يقول ان علينا ان نتبع الرأي الاغلب في الفتاوى،بمعنى ان نتبع الفتوى التي يجمع عليها اكبر عدد من العلماء،ولا يقول لك هؤلاء اين هو الاجماع اليوم،مادمنا نتحدث عن علماء يتم تلميعهم عبر اعلام نافذ يجعل كلمة الواحد منهم هي الغالبة جراء قوة التركيز على اسم محدد فقط،وعبر اشهاره،ومنح فتواه قداسة بسبب الظهور الاعلامي والانتشار.
لدينا آلاف النماذج التي شقت المسلمين،ولم يكن شقهم رحمة كما يقولون،اذ يأتيك عالم ويفتي بجواز أخذ تأشيرة اسرائيلية لزيارة فلسطين المحتلة والتبرير يقول ان في هذا مناصرة للفلسطينيين ومنعا لتركهم فرادى،ومقابله يأتيك عالم ويحرم الامر ويعتبره جريمة تقترب من حدود الكفر والخروج عن الدين!.
في قصة اخرى يأتيك عالم سني ويحلل قتل الشيعة صغارهم ونسوتهم ورجالهم،ويجد مخرجا لفتواه عبر تكفير هؤلاء،وقد سمعنا عن عالم سعودي افتى بهذه الفتوى قبل اسابيع،ومقابله يأتيك عالم ينتمي للشيعة ويحلل دم السنة باعتبارهم نواصب،يعادون آل البيت.
لكل فتوى مرجعياتها وأحاديثها التي تدعمها والنص التراثي الاسلامي،متنوع ومتناقض الى الدرجة التي يتمكن فيها البعض دوما من ايجاد تغطية من التراث والتأويلات والتفسيرات التي تدعم رأيه الشخصي،الذي قد يكون قرره مسبقا في حالات معينة.
تذهب الى القصة السورية،فتجد من يفتي بجواز محاربة الجيش السوري،وتدمير الطائرات التي هي ملك للشعب قبل النظام،ومن يفتي ايضا بجواز الاقتتال،ومقابله تجد من يفتي بالعكس لصالح النظام ولصالح قتل الجماعات الاسلامية،ويبرر في حالات قتل المدنيين الابرياء من اجل الوصول الى محارب او مقاتل واحد!.
مانراه اليوم يراد منه الاساءة البالغة الى الاسلام،وتقديم باعتباره ديناً من عدة نسخ،لكل دولة نسختها،ولكل نظام من يفتي له،ولكل اتجاه مذهبي من يفتي لصالحه،ولكل اتجاه سياسي من يدعمه بفتاويه،ويصب الفتاوى ضد خصمه،ولكل تنظيم المفتي الخاص به.
علينا ان نتأمل بحذر شديد،كل فتوى تقابلها فتوى اخرى تعاكسها،والمشكلة ان كل فتوى تجد تأويلا لنص قرآني يدعمها،وحديث مساند في ذات السياق،فتغضب بشدة،اذ كيف تمكن اثنان من اطلاق فتاوى تعاكس بعضها البعض اتكاء على موروث كبير من النصوص،انتقى كل مفتٍ ما يناسب فتواه منها،انها مشكلة التأويل والتفسيرات،وليس مشكلة الدين كما جاء اصلا.
النتيجة سياسيا واجتماعيا ودينيا،تأخذنا الى الاساءة الى الدين العظيم وتقديمه بصورة متناقضة،والكل يتسلح بفتاوى ضد الكل،والفاتورة النهائية تتنزل على وحدة المسلمين،وعلى فهمهم للاسلام،وعلاقتهم ببعضهم وبمكونات المجتمع الاخرى.
لمسنا ذات المشكلة في العلاقة مع بقية البشر،وقد رأينا هنا من يبيح التفجير في بلد غربي يعيش فيه،فيقتل الابرياء،ويظن انه يرضي الله،عبر سفك الدماء في بلد منحه كل الحقوق،فيما تجد فتاوى اخرى تحرم هذه الافعال بكل معانيها.
الدين واحد،لكنهم نجحوا في تقديمه بعدة نسخ،والكل يدعي ان نسخته هي الاصلية،فلم يزدنا تناقض العلماء الا حيرة وتعباً.