في مستنقع الرتابة
في إحدى مجموعاته القصصية التي صدرت عام 1984 كتب قصة قصيرة جدا ، كانت عنوانا لمجموعته القصصية الرابعة، وهي قصة (المتحمسون الأوغاد)، كتب كبيرنا الذي علمنا السخرية الراحل محمد طمليه ، عن نملة سئمت من حياة فصيل النمل الرتيبة التي تقتصر على نقل الحبوب وتخزينها استعدادا للشتاء القادم، فقالت لرفيقتها:
– هراء ان تكون حياة النمل مقتصرة على نقل أشياء سخيفة.
لم تستوعب (الرفيقة) هذا التمرد الغريب وحاججتها بضرورة التخزين لغايات استمرار الحياة لكن النملة المشاكسة قالت لها، بلا مبالاة:
– إننا سنموت بطبيعة الحال…. لقد فقدت الدهشة في حياة رتيبة لا جديد فيها …ان حبوب القمح متشابهة حتى ليخيل لي اني نقلت حبة قمح واحدة طوال حياتي.
وكان ان قدمت رفيقتها تقريرا بما سمعت الى قائدة الفصيل،فصارت نملة طمليه محتقرة ومنبوذة حتى ان احدى رفيقاتها قالت (على سمعها):
– تلك هي النملة الساقطة، كم ارجو لو يسمحون لي بدق عنقها.
فأشاحت نملة طملية بوجهها وهي تقول:
– هؤلاء المتحمسون الأوغاد.
هذه هي القصة ،بكل بساطتها وعمقها، بكل انهزاميتها وتمردها، بكل انتمائها واغترابها، بكل حزنها وفكاهتها السوداء…هذه هي نملة طمليه ..هذا هو محمد طمليه شخصيا وفنيا .
وقد وضعتنا نملة طمليه امام اشكالية فلسفية وجودية، لم نكن نلتفت اليها قبل الان، هل ندين الفصيل الذي يعمل بنشاط روتيني هائل، لكنه نسي ممارسة الحياة والدهشة بالتفاصيل والتمتع بلذة المغامرة خلال انغماسه في تأمين الضروريات ؟ ام ندين النملة المتمردة على روتين الحياة اليومية والعادي والمفروض والمسلم به ،و تسعى الى (تتفيه) هذا العمل الضروري لحياة القطيع- الفصيل؟. أم ندين الاثنين معا؟.
الان لا حاجة للادانة ولا لاتخاذ موقف أصلا، فقد فقدت حياتنا رتابتها
، وها هي المعارك حولنا في كل اتجاه، وصار الموقف من قصف بلد عربي مجرد وجهة نظر تحتمل الرأي والرأي المضاد … وصارت الخيانة و الوطنية مجرد فقاعات في الهواء يتم تبادلها على سبيل التسلية.
– كل يوم اشتباكات
– معارك
– قطع طرق
– جاهات
– نواب يقدمون للمحاكمة بتهم جنائية
– دندن ورسن.
بالتأكيد لن تحتاج نملة طمليه للتمرد على القطيع، فما عادت الحياة رتيبة كما ينبغي للركود، وسوف تتسلى كثيرا في مستنقع التخبيص الذي نعيشه، لأن الرتابة مطرودة الى الخارج.
ghishan@gmail.com