لون الدولة وهوّيتها
ادائماً ما نحاول أن نلصق التهمة الأكبر في “قفا” المجهول لنحمّله مسؤولية ضعفنا وفشلنا وجهلنا وجبننا وتخلفنا وتورّطنا ..معلقين حساباتنا على “القوى الغامضة” التي تعرقل أو تتدخل أو تفتعل دون أن نجرؤ على ذكرها بالاسم او الإشارة إلى كينونتها..
**
خمس حكومات منذ بدء الربيع العربي، جاءت ثم استقالت جاءت ثم استقالت دون ان تزّج اسماً مهماً من الفاسدين الكبار بالسجون أو تسترجع مليماً احمر من السارقين، والحجة كانت ان هناك “قوى شدّ عكسي” تقف في طريق الإصلاح!!..ماذا تقصدون بقوى الشدّ العكسي؟؟؟ لمَ لا تذكرونها بالاسم او تشيروا إليها بالسبابة أمام العالم كله..طبعاً لأن مصطلح “الشدّ العكسي” مصطلح هُلامي تم إيجاده ليخدم العجز “السياسي” ويبرر الفشل..
منذ ان تصاعد العنف في الجامعات مؤخراً وهناك حديث شبه يومي من بعض المسؤولين السابقين وبعض أحزاب المعارضة تتحدث عن “أيادٍ خفية تحرّك العنف الجامعي والعشائري” ترى ما المقصود بالأيادي الخفية ؟؟ وهل تجمعها أي صلة قرابة او نسب مع “قوى الشدّ العكسي”..لمَ لا نذكر هذه الأيادي الخفية علناً للشعب فلا يوجد أهم من الوطن ولا أغلى من قطرة دم أردنية سفكت على يد شقيق في الوجع والتراب والتحدّي والفقر والكرامة.؟؟ من تقصدون بالضبط بهذه الأيادي الخفية..أرجوكم ارتدوا ثوب الشجاعة مرّة واحدة واذكروها بالاسم!!..ثم أين هو الوعي الأردني العظيم الذي ما تردد يوماً أن يقطع هذه الأيادي التي تمتدّ إلى سلامته وكرامته ووحدته، وكيف سمح لها بالعبث فيه الآن كيفما وأنّى شاءت؟؟…
ما تابعناه في الأيام الماضية من أخبار ومقالات وعناوين استفزازية..ما هو إلا هجوم غير مبرر على “العشائرية” وتشويه لدورها التاريخي في بناء الوطن العربي ككل والأردن بشكل خاص وحماية أمجاده ، ما ذكر ويذكر حتى اللحظة هو محاولة توسيع الخدش في وجه العشيرة ومحاولة لنزع أوتادها من هذه الخيمة العربية المشرّعة ..العشائرية لا تعني على الإطلاق : “الشرق أردنية”..فالعشائرية ايضاَ غرب أردنية…وشركسية وشيشانية و درزية وشامية ومصرية ،أعطوني فرداً واحداً في الأردن لا ينتمي إلى عائلة أو عشيرة أو بيت، العشيرة..”شئنا أم أبينا” هي لون الدولة وهويتها لا تستقيم من غير اندماجها بمكونات الدولة الأخرى من أجهزة وقوانين ناظمة، كما لا يمكن ان تلعب إحداها دور الأخرى، أو ان تفصل الأولى عن الثانية بالطرق الجراحية القيصرية، فأية محاولة إقصاء أو تغوّل لأي منها يعني نهاية الجسم وموته..
الأمر يشبه تماماً ، كريات الدم الحمراء وكريات الدم البيضاء في الجسم ؛ العشائرية مثل كريات الدم الحمراء : هي من تحمل لون الوطن وهويته وهي التي تحمل أكسجين التعايش من رئتي الاستقرار إلى أنسجة الدولة ككل ، والأجهزة الأمنية الأخرى مثل كريات الدم البيضاء..مهمتها: ان تحافظ على الجهاز المناعي والدفاع عن الجسم ضد كل االمعدية والمواد الأجنبية..إذن كل منا له مهمّته، فلا الأول يصلح ان يقوم بعمل الثاني ولا العكس..
لا يعني أن يحدث عنف هنا او هناك..ان تصبح كلمة عشائرية هي الرديف لكلمة الفوضى ،صحيح أن ما يحدث من شغب وتكسير وقتل مرفوض تماماً ومدان تماماً، لكن في نفس الوقت لا نريد ان ننسى فضل العشيرة في استقرار الدولة منذ نشأتها..كما لا نريد ان ننتحل خُبث الغرب عندما قرن “الإسلام” بــ”الإرهاب” ان نقرن الفوضى بالعشيرة…فالممارسة أبداً لا تلغي الأصل او المذهب…
أنا أعرف وأنتم تعرفون انه لا بالمقالات، ولا بالندوات، ولا بورشات العمل ، ولا بالشرطة الجامعية ،ولا بالدرك..ينتهي العنف الجامعي والمجتمعي.
ينتهي “العنف” عندما يتمدد العدل من آخر ذرة تراب في العقبة إلى آخر حجر في وادي الذنيبة… كل ما نراه الآن هو “قيح” احتقان بسبب الإقصاء ،وتغوّل الذوات ونسلهم ، والتمييز الطبقي والسياسي والوظيفي والعائلي ،والافلات من العقاب، والتهاون بمحاكمة من خانوا الأمانة والبلد..صدقوني اللحظة التي نضّيعها مترددين ..سندفع ثمنها ساعة من العنف والفوضى ..والساعة بيوم…واليوم بسنة..وآمل الا تطول المقاربات…
ايها الأردنيون من كافة العشائر والقبائل والعائلات والبيوت ..يا ملح الوقت وعرق الصخر المنحوت.. أنتم “طلائع” أرض الرباط..فلا تضيّعوا بوصلة الصراع..
أعداء الداخل : كل الفاسدين وحلفائهم..وأعداء الخارج : كل المتآمرين على عين العروبة…
يريدونكم ضِعافاً ضِعافاً…فانتبهوا.
احمد حسن الزعبي