إذا نجحت مصر!
لا يمكن لمراقب مهما أوتي من سعة اطلاع وقوة ملاحظة وبصيرة، ومعلومات أيضا، ان يتخيل حجم التكالب على مصر الآن، لسبب وحيد فقط، وهو الحيلولة دون نجاح ثورتها، واستقرارها، لأن هذا يعني تغيير وجه المنطقة العربية بأسرها، وبالتالي تغيير وجه في العالم كله!
ربما يبدو هذا الكلام مبالغا فيه، أو هكذا سيعتقد البعض، ولكن قبل أن يعرب هؤلاء عن دهشتهم، سأجازف بالقول، أن نجاح مصر باجتياز محنتها، لن يقل اثره عن أثر تحرير أرض الكنانة وتوحيدها مع بلاد الشام، ومن ثم تحرير القدس بقيادة الناصر صلاح الدين، لا اقول هذا تشبيها لمرسي بصلاح الدين، كي لا يسارع المتربصون إلى السخرية والتريقة، بل أقوله لأن مصر كانت على الدوام أرض الكنانة، وإن امتلأت كنانتها بسهام الحق، فسينال كل «عدو» نصيبه من هذه السهام، ولهذا لم يسبق لزعيم أو نظام عربي استقوت عليه قوى مختلفة متناحرة فيما بينها، داخلية وخارجية، كما استقوت على مرسي ونظامه!
الإخوان ليسوا ملائكة، ولا منزهين عن الأخطاء والضعف البشري، وليسوا معصومين، ولكنهم ايضا ليسوا جواسيس ولا عملاء، ولا صنائع الغرب أو الشرق، بل هم ابناء هذه الأمة، يحلمون بحريتها وانعتاقها، وهم اصحاب مشروع نهضوي، يعجب البعض ولا يعجب آخرين، تتفق معهم أو تختلف، لا يهم، لكنك تحترمهم وتحترم مشروعهم، ورؤيتهم، قد تغضب منهم لكنك لا تشتمهم، ولا تشكك بصدق نواياهم، وحرصهم على أمتهم، غير أن مستوى الهجوم على مشروعهم ليس له مثيل، إلا محاولات استئصالهم من الجذور، كما حصل في غير بلد، وفي أكثر من حقبة.. وإن كانت الهجمة اليوم عليهم تفوق كل محاولات الاستئصال والتغييب والسجن والتعذيب، ولمن يتساءل على الدوام، عما أنجزوا في الشهور الماضية من حكم مصر، نقول لهم بلغة الواقع، لا بلغة الردح والقدح التي تمارسها فنوات الكاز والهمز واللمز، كيف لبشر أن ينجز وهو يتلقى صباح مساء ألوانا من الهجوم واللطم والردح والتآمر لمنعه حتى من التقط أنفاسه، حتى باتت مهمته الرئيسة محاولة اتقاء الضربات واللعنات والهجمات، لا تسجيل الإنجازات، فالمطلوب من كل من «تجند» لإجهاض ثورة مصر، إفشالها بأي ثمن، حتى لو كان الثمن مصر نفسها، لأن المتآمرين قبضوا الثمن، ولا يهمهم من أمر شعب مصر ما يحل به، مات او عاش، جاع أم شبع، فالمهم أولا وآخرا وقف المد المصري، وقتله في أرضه، قبل أن يتطاير «شرره» إلى بقية دويلات الشرق والغرب!
ممنوع نجاح مصر، لأن نجاحها يعني الكثير، ومن هذا الكثير جدا، تقديم نموذج وقدوة للمقهورين من شعوبنا، للتأسي به، وتقليده واقتفاء أثره، واستلهامه، وكل هذا ممنوع ممنوع ممنوع!
الرهان اليوم على صبر أصحاب التجربة، ومداراتهم على شمعتهم، كي «تقيد» وتقوى، ويمتد نورها لتبديد سحب العتم التي تلف الأمة، وما ذاك على الله بعزيز، إن كنا ممن يستحقون نصره!
hilmias@gmail.com