عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

تحرير الجسد!

كتبت تقول: منذ ان مزقت جسدي شرنقة الطفولة، وانا أجلس على حافته، مسكونة بهاجس دائم يقول لي في كل حين، ان عليّ ان اعتذر بشكل او بآخر، وفي جميع تصرفاتي عن انوثتي، وكأنها عار او عورة يتوجب عليّ تغييبها!

فانا لا اعرف من أين أبدأ الحكاية، لفرط تزاحم التفاصيل في ذهني، واتصور ان جسدي كله، لو ملأته بالكتابة لما فرغت من بث براكيني، التي تغلي داخله، بل اشعر ان هذا الجسد ممتلىء بكتابتهم هم، حتى انه لا يتسع لمزيد من التعبير، ليس لضيق في «المساحة» بل لأن كل بقعة من جسدي محجوزة لتعبيراتهم ولغتهم هم، التي غالبا ما يستعملون فيها رأس دبوس يتوهج كالجمر، للحفر عليه، كأنهم عاشق سادي، يسخر جسد حبيبته لتجريب ابداعاته في الوشم!

مشكلتي الرئيسية انني انثى وحيدة، في غابة من الذكور، اسمع صراخ رجولتهم، واشم رائحتها، كل لحظة، وهي تعبر عن ذاتها كل حين بتباه واستعراض، وأحيانا بكثير من الفخر، وتسجيل البطولات الذكورية، اما أنا وحدي أنا، فمطالبة بالاعتذار في كل لفتة او كلمة او تنهيدة، عن كوني انثى! عليّ أن أداري جسدي، وألفه بما يكفي لإخفاء معالمه كلها، حتى وانا داخل البيت، ان نسيت نفسي وضحكت بصوت عال، قيل لي: عيب أنت انثى! وان مر بشاشة التلفزيون مشهد تعبيري، فيه شيء من الإنسانية الدافئة، قالوا لي بصوت واحد: قومي اعملي لنا شايا! حتى امي، المفترض انها الأنثى الثانية في البيت من حيث التصنيف الفسيولوجي، منحازة لذكوريتها الدفينة، ولا اجدها في صفي ابدا، بل هي على الدوام تشاركهم على الدوام معزوفة: عيب انت بنت! اما والدي فأكاد اسمع نبضه الدفاعي أحيانا، لكنه لا يجرؤ على ضمي الى صدره بحجة انني لست ذكرا!!.

ماذا اقول لك؟ طفولتي؟ حينما ولدت استقبلتني العائلة، كما قالوا لي، بفتور، قالت لي أمي أنها سمعت كثيرا وهي في المستشفى الكثير من عبارات «الرثاء!» لحالها كونني أنثى، المهم الحمد لله على سلامتك، عندك ولد؟ احمدي الله، فلانة عندها خمس بنات، وولد واحد، أنت لديك ولد وبنت، الله يرزقك بأخ له! لم يتمن أحدهم أن يرزقها بأخت لي! ياه كم تمنيت أن يكون لي أخت، تؤنس وحدتي في غابة الذكور التي أعيش فيها! لكأن الله سمع دعواتهم فرزقها بأخوة لأبنائها الذكور ولم يرزقها إلا بي! أصارحك أنني سمعت أكثر من مرة أمنيات مكتومة من إخوتي، ليتها كانت ولدا!.

هذا جزء يسير من رسائل قديمة كتبتها تحت عنوان «على حافة الجسد» استذكرتها اليوم بقوة، فيما تلح علي فكرة تحرير الجسد، مقدمة لتحرير الفكر والروح والوطن أيضا، بمفهومه الواسع، لا أدري لم أشعر أن هناك حاجة ماسة للكتابة في فكرة تحرير الجسد ليس بروحية من كتبوا كثيرا في هذا الشأن من خارج دائرة «المؤمنين» بحضارتنا وهويتنا الثقافية والدينية، هؤلاء خاضوا في الموضوع وفق فكر اغترابي، ورؤية غير منبثقة من بلادنا، تحرير الجسد لا يعني الإباحية ولا «الانعتاق» من كل قوانين المجتمع، إنها محاولة جديدة لنبش ملف اجتماعي مؤرق، مقدمة لانعتاق الشرق من عبودية فرضها ركام هائل من الجهل واختلاط مريع لتقاليد مجتمع متخلف مع مبادىء دينية، فلم تعد تعرف أيها دين وأيها عادات وتقاليد، وربما لنا عودة لهذا الموضوع الشائك!.

hilmias@gmail.com