دم شبابنا ليس رخيصا
لم يعد العنف حالة فردية بل مزاجا عاما وسلوكا متواصلا مما يمهد الطريق لأن يصبح ثقافة مجتمعية مثل باقي الثقافات الرديئة التي تجتاح المجتمع الاردني منذ سنوات , امام صمت يشبه التواطؤ من الجهات الخاصة والرسمية فلا أحد يتابع ولا أحد يناقش او يضع الحلول ويمارس التطبيق اسوة بكل اللجان التي تشكلت منذ عقد ويزيد .
فالشرطة المجتمعية “ اسم “ يتردد في فضاءات اللوحات الممتدة على مبانٍ راقية او على صفحات اوراق مصقولة ومطبوعة بعناية فائقة ولم نسمع من هذا القسم ما يفيد او ما يخفف حجم المصيبة بوصفه القسم المعني بظواهرالسلوك الاجتماعي المقلقة او الخطيرة .
لم نكن نحتاج لكل هذا الدم المسال في جامعة الحسين وقبلها جامعة مؤتة ولا غيرها من الجامعات او المرافق العامة , كي نصحو من الغفلة فالعنف مسلسل مكسيكي طويل جداً في جامعاتنا ويكاد الحبر المهدور على صفحات الصحف ان يوازي او يزيد عن كمية الدماء التي سالت في جامعاتنا وشوارعنا , وآخرها ندوة في الدستور المكاتب وعلى الاوراق وحضرها وشارك فيها نخبة من خيرة الخيرة .
العنف وجد مستقراً في مجتمعنا نتيجة احساس مزدوج ومتناقض , فهو تعبير عن احساس بالاستقواء على الآخر ونتيجة احساس عميق بأن الحقوق ضائعة في القانون فلجأ الفرد الى أخذ حقه بيده بدليل استسهال اطلاق النار او الضرب بالادوات الحادة فالعقاب مفردة ضائعة في قواميس التنفيذ الرسمي وعلى كل المستويات وليس على مستوى العنف الاجتماعي او عنف الجامعات .
الصمت على العنف لا يصبُّ في خانة الديمقراطية واحترام حقوق الانسان ولا يقع ضمن مفاهيم الأمن الناعم بل هو تهاون حد المهانة لكل مفاهيم سيادة القانون التي تشكل الضمانة للامن الاجتماعي والسلوك الانساني وهو صمت مدان بكل لغات الارض وقواميسها ولا يكفي لتعزية الاسر التي فُجعت برحيل ابن اوأب او شقيق .
والعنف لا يمكن مجابهته او التصدي لاثاره باجترار الالفاظ والجمل الرقيقة عن ثقافة المجتمع وموروث التسامح في المجتمع الاردني وعاداته وتقاليده , والبقاء في خانة الادانة الاجتماعية للعنف يعني استمراره وتكريسه لان الله في عليائه أوجب التعزير والقصاص كما اوجب التسامح والرقة في القول للهداية .
استنساخ ثقافة الماضي وسلوك الاجداد لا يتماشى والمجتمع الحديث وتعقيداته , ولا يتماشى مع ظاهرة الاسترزاق من خلال العبث بالامن الاجتماعي والدم الاردني وسط دفن للرأس في الرمال وترك كل العورات مكشوفة بحجة ان العنف ثقافة دخيلة او مستحدثة .
فالعنف لم يعد دخيلاً ولا غريباً عن المجتمع الاردني بل متواجد في كل شارع وحارة وفي كل مؤسسة اهلية ورسمية وداخل كل سيارة اجرة وعلى كل اشارة ضوئية .
الرد على العنف يبدأ بسحب اسبابه وتجفيف منابعه وبنفس الوقت وضمن مسار متلازم بالضرب بيد من حديد على كل من يمارس او يستخدم او يحرض على العنف فإن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن .
وصمتنا عن العنف سيجر البلاد والعباد الى نهايات محزنة لا يجوز ان نواجهها بالاماني الطيبة واجترار احاديث الماضي وصفات الرجالات القدامى الذين لا يمكن استعادتهم وعجزنا بل حاربنا توريث ثقافتهم وسلوكهم .
omarkallab@yahoo.com