«زمزم»: وما يجب أنْ يُقال
حتى يمكن الحكم على «امكانية» تحول «زمزم» الى حزب سياسي ناجح يُنعش الحياة الحزبية المصابة بالكُساح والتي بقيت تنتقل من سيئ الى أسوأ رغم كل المُنشطات التي أُعطيت لها على مدى نحو ربع قرن فإنّه لا يجب النظر إلى هذه التجربة من زاوية حشد الألوف في احدى القاعات الكبرى المخصصة للمهرجانات والإحتفالات الوطنية وإنّما من خلال مدى انتقال ذهنية القائمين عليها من الأساليب والمفاهيم «الإخوانية» التي إنْ هي كانت تصلح لأربعينات وخمسينات القرن الماضي فإنّها لم تعد تصلح لهذا القرن الجديد ولهذه المرحلة ولهذه الأجيال التي باتت تطلع على كل جديد في العالم من خلال وسائل الإتصال الحديثة.
إنّه على القائمين على هذه التجربة أنْ يخرجوا من جلباب الإخوان المسلمين نهائياً والاّ يبقون يسعون الى تأكيد شرعيتهم وشرعية ما قاموا به من خلال السعي المستمر والمتواصل الى انهم الاحرص على إرث حسن البنا وعلى انهم «الاخوان» الحقيقيون فالتجربة الاخوانية بخيرها وشرها قد انتهت مثلها مثل كل تجارب القرن الماضي الحزبية وهذا يتطلب الخروج من هذه الدائرة نهائيا وعدم الاستمرار بالنواح على قبر الحبيب المغفور له الذي ستنتهي هذه المحاولة الواعدة نهاية مأساوية اذا ثبت ان الهدف هو استنساخ صورة جديدة له وليس بديلا عنه ومن الالف الى الياء.
لا شك في ان اصحاب مبادرة «زمزم» قد تحلوا بشجاعة نادرة عندما واجهوا حراس القلعة الاخوانية الذين كانوا أداروا هذا التنظيم المغلقة ابوابه على اسرار كثيرة بعقلية «المافيات» لكن عليهم ان يدركوا ان كل ما قاموا به سيصبح هباء منثورا إن هم لن يغادروا هذه القلعة نهائيا وان هم بقوا يحاولون ايجاد نسخة اخرى من هذه التجربة التي وصلت الى حالة تصلب الشرايين وتحجر العقول، والتي بقيت تدار بعقلية المؤسسين الاوائل الذين حرصوا على ايجاد رديف سري لتنظيمهم المعلن كان في حقيقة الامر ولا يزال تنظيما ارهابيا بدأ باغتيال النقراشي باشا وهو المسؤول الان عن كل ما يحدث في مصر من عنف همجي واراقة دماء.
إن هؤلاء الاخوة الاعزاء اصحاب فكرة «زمزم» كانوا مثلهم مثل معظم الاردنيين المهتمين بهذا الشأن، قد شاهدوا وتابعوا سلسلة طويلة من «زفات» واعراس حشد القاعات الكبرى والفارهة التي كلها انتهت الى «تمخض الجبل فولد فأراً» ولذلك فإن الاهم هو ما بعد المهرجان الاول وهو ما اذا كانت هذه المحاولة ستنجح في الخروج من دائرة اجترار الماضي وما اذا كانت ستُثبت انها ستضع التجربة الحزبية الاردنية على بداية الطريق الصحيح وتخرجها من هذه الوضعية الكئيبة التي بقيت تدور في حلقتها المفرغة منذ بدايات تسعينات القرن الماضي.
عندما سبق هذا البلد, المملكة الاردنية الهاشمية, كل دول هذه المنطقة العربية في استشعار ما يحدث الان في بعض الدول الشقيقة وبادر الى استئناف تجربة عام 1956 التي قطعت الطريق عليها ومبكراً عقليات ظاهرة الانقلابات العسكرية التي أُعتبرت زوراً وبهتاناً «ثورات», كان المفترض أن تكون مغادرة فعلية وحقيقية للخنادق الحزبية القديمة وان تكون هناك انطلاقة لفضاء واسع جديد لكن هذا وللأُسف لم يحدث اطلاقاً حيث تم التحايل على القوانين النافذة وجرى تكريس اشكال مشوهة لحزب البعث بنسخه المُقزمة البائسة وللحزب الشيوعي ولحركة القوميين العرب التي كانت ورثتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي ما لبثت هي بدورها ان ضربها سيف التشظي واصبح هناك ايضاً الجبهة الديمقراطية والجبهة الثورية, وبعض «الحزيبات» اللبنانية والاردنية والفلسطينية وايضاً اليمنية.
والمشكلة بالنسبة لنا هنا في الاردن ان «الاخوان» بعد انطلاقة بدايات تسعينات القرن الماضي قد ازدادوا تحجراً وانهم من قبيل الضحك على الذقون قد «انجبوا» حزباً وهمياً اسموه: «حزب جبهة العمل الاسلامي» وكل هذا في حين أن ما كان من الممكن أن يصبح احزاباً وطنية اردنية برامجية قد فشل فشلاً ذريعاً وان كل ما ظهر في هذا المجال هو مجرد اشكال «كاريكاتورية» لاحزاب ما سمي مرحلة «النضال السري» التي فشلت كلها وبدون استثناء حتى في الدول التي وصلت فيها الى الحكم.. وسوريا والعراق واليمن الجنوبي.. وجماهيرية القذافي إن اردتم.
ولذلك فإننا نقول لاخواننا في زمزم «إن حشو قاعة من القاعات الكبرى بالجماهير (الغفورة) لا يقيم حزباً وإن الاستمرار في مناكفة بعض الرؤوس المتحجرة من «اخوانكم» السابقين ستستنزفكم بدون أي نتيجة وهكذا فإن عليكم أن تأخذوا كل هذه التجارب بعين الاعتبار وأن تخرجوا بما ينتظره منكم ومن غيركم الشعب الاردني الذي لم يعد ينظر الى العمل الحزبي نظرة جدية!!