بروكسل: المستفيد هو الفاعـل
لا يمكن أنْ تكون أية جريمة إرهابية الاّ ويكون هناك مستفيد منها ولذلك فإن ما حدث في بروكسل أمس الأول قد إستدعى إستنكاراً شاملاً وفي العالم كله باستثناء إيران ونظام بشار الأسد حيث كان ردّ الفعل بمثابة «تشفٍّ» وبطريقة تدلُ أنّه كان هناك إنتظار وعلى أحرِّ من الجمر لهذه العملية المُنكرة والمُدانة ليكون رد الفعل: ألمْ نقل لكم إنّ الأولوية يجب أن تكون لمواجهة تنظيم «داعش» ولمواجهة التنظيمات المتطرفة العاملة على الساحة السورية؟!.
في ستينات وسبعينات القرن الماضي كانت الظاهرة الإرهابية تكاد تكون مقتصرة على الغرب وبعض دول أميركا اللاتينية والمعروف أنّ تلك الفترة كانت فترة الحرب الباردة وصراع المعسكرات، المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي، وكانت قد ظهرت على هوامش هذا الصراع تنظيمات متطرفة و»عُنْفية» مثل الألوية الحمراء الإيطالية والنجم الساطع البلجيكية وبادر ما ينهوف الألمانية وقد ثبت أنّ هذه التنظيمات وغيرها كانت على علاقة، إنْ بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بالمخابرات السوفياتية الـ «كي جي بي» وأيضاً بالأ «أشتازي»، الألمانية الشرقية، وبعض المخابرات العربية التي تعتبر دولها جزءاً من المنظومة الشرقية.
فماذا يعني هذا؟
هناك قاعدة تقول: «قلْ لي من المستفيد أقول لك مَنْ الفاعل؟» وحقيقة أنّ تطبيق هذه القاعدة سيأخذنا إلى اعتبار أن المستفيد، الآن في هذه الفترة، هو نظام بشار الأسد وبالتالي هو إيران وهذا بالطبع لا يعني إتهامها بأنهما يقفان وراء هذه الجريمة بصورة مباشرة فمثل هذا الإتهام بدون أدلة وقرائن غير جائز ولكن ومع ذلك فإنه لا دخان بلا نار وأنه عندما تنشر بعض الصحف قبل أيام قليلة وثائق ومستندات تؤكد على أنّ لطهران دوراً رئيسياً في جريمة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 التي نفذتها «القاعدة» فإن كل شيء يصبح جائزاً والى حد الإقتراب من الإتهام المباشر.
وهنا فربما أنّ ما يستدعي التدقيق، من قبل الذين يتولون التحقيق في جريمتي بروكسل الارهابيتين الاخيرتين، هو أنّ الوسيط الدولي في مفاوضات الأزمة السورية ستيفان دي ميستورا قد تجاوز تحفظه المعتاد وأطلق تصريحاً قال فيه : «إنّه لا امكانية لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه الاّ بعد إطفاء حرائق الحرب السورية» وحقيقة أن هذا يعني عدم صحة إدعاء النظام السوري وإدعاء إيران.. وأيضاً إدعاء روسيا بأن الأولوية هي للقضاء على «داعش» وليس لرحيل بشار الأسد وفقاً لبيان «جنيف 1» الذي نص على مرحلة إنتقال سياسي تأخذ سوريا إلى ما ثار من أجله الشعب السوري في عام 2011.
إنه لا جدال إطلاقاً على ضرورة أن يتكاتف العالم كله عسكرياً وسياسياً وفكرياً للقضاء على هذه الظاهرة الدموية لكن هذا يجب الاّ يكون ذريعة لمواصلة «تدوير» نظام بشار الأسد وفرضه مجدداً ومرة بعد مرة على الشعب السوري بحجة أنّ الأولوية يجب أنْ تكون للقضاء على «داعش» وكل هذا ومع أن المعروف انّ هذا النظام أراد هذا التنظيم الإرهابي ذريعة للبطش بالشعب السوري والقضاء على المعارضة السورية وأنّ إيران تريد بقاءه لتصفية حساباتها مع العرب السُنّة في العراق وايضاً في سوريا.
وهكذا وفي النهاية فإنّ الأهم هو أنْ يتوقف الغرب كله عند معادلة: «قلْ لي مَنْ هو المستفيد أقول لك مَنْ هو الفاعل».. ويقيناً لو أنّ الفرنسيين أعطوا أهمية لهذه المعادلة ولو أنهم تعاملوا معها بجدية وبدون مخاوف وحسابات جانبية لكانوا وضعوا أصابعهم على الحقيقة وربما لكانوا قطعوا الطريق على عمليتيْ بروكسل الأخيرتيْن وايضاً على عمليات جديدة لا تزال في عالم الغيب .