«حماس»: بانتظارالخطوة الثانية
تأخرت «حماس» كثيراً في اتخاذ الخطوة التي اتخذتها تحت ضغط تردي علاقاتها مع مصر بعد إتهامها رسمياً بالمشاركة في إغتيال النائب العام المصري هشام بركات إذْ أنه كان عليها أنْ تكون ومنذ تأسيسها قبل نحو تسعة وعشرين عاماً حركةً وطنيةً فلسطينيةً وجزءاً من منظمة التحرير التي غدت وفقاً لقرار قمة الرباط العربية في عام 1974 «ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني».
ما كان على هذه الحركة أنْ تكون جزءاً من جماعة الأخوان المسلمين، إنْ في مصر وإنْ في الاردن، ولا تابعة للتنظيم العالمي لهذه الجماعة فالقضية الفلسطينية لها خصوصيتها ولها ظروفها والمفترض أنْ تبقى بعيدة عن الصراعات العربية – العربية وأنْ يحرص قادة منظمة التحرير وقادة فصائلها على الاّ ينحازوا لأيِّ معارضين لأيِّ دولةٍ عربيةٍ وبخاصة الدول الفاعلة في قضية فلسطين بحكم عوامل ديموغرافية وجغرافية وسياسية كثيرة من بينها على وجه الخصوص مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والمملكة المغربية والجزائر وبعض دول الخليج العربي.
لكن «حماس»، التي تأخرت كفرع للإخوان المسلمين عن بداية مسيرة الثورة الفلسطينية نحو إثنين وعشرين عاماً، لم تُدرك خصوصية قضية فلسطين، وأيضاً خصوصية الشعب الفلسطيني وربطت نفسها، منذ اللحظة الأولى، بهذه «الجماعة» أي جماعة الإخوان، تنظيمياً ومالياً وسياسياً. وحقيقةً أنّ هذا كان كارثة جعلتها تخوض معارك ومواجهات لا هي معارك الشعب الفلسطيني ولا هي مواجهاته وعلى غرار ما بقيت تفعله الفصائل التي وُلدت في حاضنة بعض أجهزة المخابرات العربية.
والأسوأ أنّ رؤية قادة «حماس»، التي ربما لا تزال بالنسبة لهذه المسألة رؤية الأخوان المسلمين والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، كانت قاصرة عن إدراك حقيقة التطلعات الإيرانية، بعد إنتصار ثورة الخميني، تجاه المنطقة العربية فربطت نفسها بالولي الفقيه وبطهران و»قُمْ» وأصبحت جزءاً من هذه المنظومة مثلها مثل حزب الله اللبناني ومثل الحشد الشعبي وعصائب الحق وحزب الدعوة في العراق ومثل حوثيي اليمن.. وأيضاً مثل هذا النظام المذهبي والطائفي في سورية التي من المفترض أنها: «قلب العروبة النابض»!!.
والمهم أن رأس «حماس» لم يصطدم بجدار الحقيقة الاّ متأخراً حيث بعد الإتهامات التي وجهها إليها القضاء المصري، على خلفية إغتيال النائب العام هشام بركات، وجدت نفسها، أو وجد بعض قادتها أنفسهم، أمام خيارات صعبة فكان خيارهم الذي وُوجِهَ ولا يزال يُواجَه بمقاومةٍ وبرفضٍ من قِبلِ بعض زملائهم وبخاصة قادة الجناح العسكري «كتائب القسام»، هو خلع ثوب الأخوان المسلمين والتبرُّءِ منهم وإزالة شعاراتهم وصور قادتهم من ميادين غزة وساحاتها ومن بينها صور «المؤسس» حسن البنّا، وكل هذا بالإضافة الى إجراءات ميدانية أخرى طالت بعض الفصائل السلفية المتطرفة.
والآن، وبعدما حصل كل هذا الذي حصل، فإنّ الخطوة المفترضة التالية هي أنْ تُقْدِمَ هذه الحركة على ما بقيت تمتنع عن الإقدام عليه وهو الذهاب هرولةً الى الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) و»البَصْمِ» على مشروع الوحدة الوطنية الفلسطينية الذي طرحه ولا يزال يطرحه والإنضواء في إطار منظمة التحرير وإنهاء إنفصال قطاع غزة وإبتعاده عن الضفة الغربية وبالتالي توحيد الجهد الفلسطيني لإنتزاع حقوق الفلسطينيين المشروع والعادلة من بين أنياب الغول الإسرائيلي وإقامة الدولة المستقلة المنشودة.