0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

الحق الذي يراد به الباطل

 

كتب: د. صلاح جرار

وهو حقٌّ يفضي إلى الباطل، ومن جهة أخرى باطلٌ مغلّفٌ بالحقّ، وهو أشّد خطورة وضرراً من الباطل الصريح، لأنّه يمكن أن يتسرّب إلى العقل تحت مسمّى الحقّ، فيؤدي ما يؤدي إليه من فساد الفكر وضلالة الرأي وتشويش الرؤية.

ويمكن لذوي البصيرة والحكمة والخبرة أن يميّزوا بين الحق الذي يراد به الحقّ نفسه، والحق الذي يراد به الباطل، وذلك من خلال ربط القول أو الفعل الموصوف بأنه حقّ بالظروف التي تحيط به، وأهمّها التوقيت والمكان وصاحب الفعل أو القول نفسه، وجمهور المتلقّين، وإيحاءات القول أو الفعل وارتباطهما بأحداث سابقة.

أما قرينة التوقيت فتتمثّل في اختيار وقت لممارسة الحقّ أو قوله يؤدي إلى إلحاق ضرر كبير في الشخص أو الجهة التي يراد الإساءة إليها، وما أكثر الأحداث التي يمكن أن تكون مرحّباً بها في وقت وتصبح مشبوهة في وقت آخر، لأنّها في الوقت الأوّل تحقّق مصالح عامّة، بينما وقوعها في الوقت الآخر يُلحق أضراراً فادحة في المصلحة العامة، لأنها قد تصادف واقعاً مختلفاً يعطي للحدث معنى جديداً غير الذي كان يعطيه قبل حلول هذا الواقع.

وأمّا قرينة المكان الذي يجري فيه الحدث أو يقال فيه الكلام، فهي واحدةٌ من القرائن المهمّة الدالّة على الحق الذي يراد به الباطل، وتتمثّل هذه القرينة في صورة إطلاق قولٍ أو القيام بعملٍ ينسجم مع الحقّ ومع القانون لكنّه يتعارض مع الظرف المكانيّ الذي يقال فيه الكلام أو يقام فيه الفعل.

كما أنّ معرفة المستمع أو المشاهد بتاريخ الشخص الذي يصدر عنه القول أو الفعل وخبرته بتاريخه وسلوكه ومواقفه ممّا يدفع إلى عدم التسليم بالمعنى الظاهر لكلامه أو الغاية من الفعل الصادر عنه.

وممّا يساعد على إدراك الباطل الذي يخفيه قول الحقّ فهم التلاعب اللفظي مثل استخدام عبارات ذات دلالات مزدوجة ومتناقضة أو الاجتزاء من كلام الآخرين أو السابقين بما يؤدّي إلى معنى جديد للكلام المجتزأ، أو استخدام أساليب التعريض والهمز واللمز والتورية وغير ذلك.

ومن الملاحظ أن استخدام أساليب قول الحقّ الذي يراد به الباطل ليس مقصوراً على الأفراد أو في التعاملات الشخصية بين الناس، بل إنّه أضحى واحدة من أهم وسائل الحرب الإعلامية والنفسية التي تلجأ إليها الدول بهدف خديعة والخصوم، ولذلك يلجأ إليها السياسيون والإعلاميون معتمدين على تفاوت مستويات المستمعين والقرّاء والمشاهدين وغيرهم من المتلقين في إدراك أبعاد الكلام ودلالات الأفعال، والحكم على معانيها ومقاصدها الظاهرة، كما يعتمدون على عدم تعمّق العوامّ باللغة وأسرارها ودلالاتها واكتفائهم بما يحقّق لهم التواصل السريع مع ا?ناس في مجتمعاتهم.

إنّ استخدام سلاح الحقّ الذي يراد به الباطل من أكثر أسلحة الحروب خطورة، وهو سلاحٌ يتقن المحتلّون والغزاة والخارجون عن القانون وعن الإجماع الوطني والذين يتعاملون مع الأعداء استخدامه ويتخذون منه غطاءً لانحرافاتهم ووسيلة لتسويغ مواقفهم وأفعالهم غير المشروعة وغير السليمة والجًافية للحقّ والحقيقة.