كرسي التحليل ..
دائماً أحاول تأجيل حلاقة شعري إلى أطول فترة ممكنة حتى أصبح مثل الشخصية الكرتونية «ابو العريف» في مسلسل طمطم الشهير..هذا التأخير الذي أقوم به ، لا لأنني محصور بالوقت أو أكره الجلوس طويلاً في صالون الحلاقة أبدا..ولكن لاطلاع الحلاق الواسع على الأحداث العربية والعالمية ، وتحليلاته الشخصية وتوقعاته في التصعيد ، وقراءته للمشهد العربي والعالمي وذلك بفضل الشاشة المسطحة المعلقة فوق مرآة الزبائن وقمر «نايل سات»…فالرجل لا يفوّت استديو تحليليا ، ولا ما وراء الخبر، ولا برامج سياسية ،ولا حوارية الا ويتابعها ، وبالتالي صار يتكلّم بطريقة مقنعة بشكل كبير ،وأحياناً يستخدم نفس المصطلحات التي يستخدمها المحللون الاستراتيجيون، ويتنهّد بنفس الطريقة ويغمض عينيه أثناء الحديث عن المستقبل…
قبل أيام وهو يلف حول رقبتي «مريول» الحلاقة ويحكم شدّ الخيطان حول عنقي كان يتكلّم عن إعدام الشيخ نمر النمر قبل أسابيع، وعن تداعيات الخطوة الأسباب والدوافع…ثم تكلّم عن أطماع إيران في المنطقة العربية وبدأ يقص شعري من الخلف وهو يشرح له عن دعم إيران للحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وحكومة العراق، ليس بإمكاني أن أهزّ رأسي موافقاً أو مخالفاً فهو يثبت رأسي للأسفل..يجب قطع النفوذ الإيراني في المنطقة قالها وهو يقطع خصلة من الشعر خلف أذني…ثم أرجع رأسي بيده وأصابعه تدخل في فتحتي المقص، وسألني : الا تلاحظ تراجع الوجود الأمريكي في المنطقة…لم استطع أن أجيبه خصوصاً وان خيطان المريول تضغط على أحبالي الصوتية أومأت له بالبؤبؤ بمعنى «نعم»، قالي لي: سألت حالك ليش؟..فحركت البؤبؤ يميناً وشمالاً كناية عن « ليش»؟؟.. فقال لي: أمريكا مقبلة على انتخابات رئاسية بعد عام ولا تريد ان تتورط بحرب هنا أو دعم هناك ، ..ثم ان كل ما يحدث في الشرق الأوسط هو في مصلحتها..مصلحتها «حرب دينية دينية» يا صديقي…ثم أمسك بقارورة الماء وبدأ يرش على الجزء الجاف من شعري محاولاً «ترطيبه»..وتابع: اعتقد أن إيران سوف تقوم بــ»ترطيب» موقفها مع السعودية ومع العرب بشكل عام..ليس من مصلحتها معاداة جيرانها العرب..ثم امسك شفرة ووضعها في الموس و»حرق» حدّ الشفرة بالولاعة التي كانت في جيبه ثم نفخ عليها للتعقيم وقال لي ..»حرق» القنصلية السعودية لم يكن فعلاً موفقاً…يجب حماية البعثات الدبلوماسية مهما بلغت الخلافات بين البلاد…ثم شرع «يحدد» السالف والشارب بالموس ..وهو يقول الذي يزعجني ان بعض الدول العربية لم «تحدّد» موقفها مما قامت به طهران..فلم استطع ان اجبه لنفس السبب..ثم امسك بالمشط وبدأ يمشط شعري ويقول..صحيح اليوم قوّات الاحتلال الاسرائيلي تقوم بعملية «تمشيط» بحثاً عن مقاومين…ثم حاول ان «يفرق» شعري الي اليمين وهو يكمل حديثه: اكثر ما يعجبني بالشعب الفلسطيني انه «مش فارقه معه»..»حلق» لإسرائيل و»القبضة»الأمنية ع الناشف…ثم تمنى ان «يفرجها الله «على عباده قالها وهو يفكّ خيوط «المريول» عن رقبتي فتدفق الدم ثانية الى رأسي ووجهي..
وعندما نظرت الى رأسي في المرآة من الخلف والجوانب..»رأيت الكرة الأرضية بقاراتها الستّ «في رأسي « … « اليابسة «شعر» ..والمحيطات «حلاقة»..