من حقنا أن نحلم
الذين ولدوا في لبنان في يوم 13 نيسان عام 1975صاروا في سن الاربعين ، وهو عمر الحرب الاهلية التي لم ولن ينساها اللبنانيون ابدا ، لأنهم ما زالوا يعيشون تداعياتها ويعانون من اثارها الباقية حتى اليوم. حل نيسان اللبناني وقصر بعبدا بلا رئيس جمهورية ، وبيروت تعيش اجواء ازمة سياسية.
وعاد نيسان اللبناني وما زال امراء الطوائف وجنرالات الحرب في الواجهة السياسية ، نتيجة تكريس حالة من المحاصصة والتقاسم على قاعدة طائفية ، التهمت هيبة الدولة ، والغت دور المؤسسات ، وتجاوزت الميثاق الوطني. وجاء نيسان ليذّكراللبنانيين بمأساة المفقودين الذين خرجوا ولم يعودوا حتى الآن ، بعدما ابتلعهم بحر الدم الاهلي نتيجة القتل والذبح على الهوية ، والاغتيال ، وانتشار المقابر الجماعية.
نيسان اللبناني ما زال يحفر في المخيلة المعتمة ، وينبش في الذاكرة عن صورة قاتمة بشعة في تفاصيلها القاسية الطافحة بالفظائع ، بدأت باحراق باص ، وانتهت باحراق بلد وسقوط دولة وتفتيت مجتمع. في ذلك الوقت انقسم لبنان بين مؤيد للمقاومة الفلسطينية وبين معتدل رافض لانطلاق الكفاح المسلح من لبنان ، وعلى حسابه. وها هو نيسان يعود بعد اربعين عاما ليجد انقسام الساحة ما بين مؤيد لتيار المقاومة الوطنية اللبنانية وبين معتدل يعترض على وجود سلاح المقاومة ، رغم هويته اللبنانية ، وهو الانقسام الموشح باللون الطائفي المذهبي ، المغلف بنكهة عربية ودولية ايضا ، تماما كما حدث في نيسان قبل اربعين عاما.
نيسان اللبناني الذي يذكرنا بانقسام طائفي وفرز مذهبي ، قاد الى تفكيك الدولة اللبنانية وتخريب نسيج المجتمع اللبناني ، في ذلك الوقت ، الا انه فشل في تقسيم البلد ،لأن لبنان بطوائفه واحزابه وسياسييه ومفكريه وعلمه ونشيده ووجدانه ، غير قابل للقسمة ، رغم التوزيع الديمغرافي وتقاسم النفوذ بخطوط وفواصل واضحة ، لأن الشعب اللبناني ، وفي ظل ما يشبه المعجزة اللبنانية ، يجد الارضية للعيش المشترك ، حتى لو كان تحت مظلة التوتر الدائم.
حل وهل نيسان اللبناني بكل ما حمل من ذكريات محزنة صادمة ، يحمل صيغة «اللبننة» المشكلة بالاقتتال الطائفي. ولكن هذا النيسان يبدو صغيرا متواضعا جدا امام «الربيع العربي» الاعم الاشمل الافظع ، الذي فكك دولا وفتت مجتمعات ، وحرق بناره الطوافة اصابع عربية ودولية كثيرة وعديدة , عبر حروب صغيرة وكبيرة متناثرة ، اشعلها العالقون في الماضي ، بهدف خلق صراع جديد وعدو بديل ، واخراج قضايانا القومية من الذاكرة ، تحت عناوين وشعارات طائفية وعرقية وقبلية. هذا الصراع المصطنع اعاد الامة الى الوراء ، في اتجاه معاكس لدورة عقارب الزمن ، اوقف التقدم والتطور وحركة التاريخ ، حتى خرجنا منه.
ولكن رغم امتداد هذا المشهد المعتم الذي يطل على صحراء واسعة تصل الى حافة جفاف المخيلة وانكسار الروح ، لا بد من نهوض الامة من كبوتها ، لأن الامة العربية صاحبة رسالة خالدة وحضارة عميقة ، وصاحبة مشروع نهضوي قومي وانساني ، اصبح الحديث عنه في نظر اليائسين اقرب الى الفكاهة الساخرة ، اواشبه بالوعد الرومانسي ، او الحلم في ليلة صيف.
الحقيقة ان العاصفة التي ضربت الاقطار العربية ، او الزلزال الذي هز الامة ، هو عبارة عن صخرة كبيرة سقطت من علو في بحر العرب الساكن ، من اجل نهوض عربي جديد وصحوة قومية كبرى. وبهذه المناسبة اقول لكل اليائسين ، او الخبثاء ، من حقنا ان نحلم.. وسنقف على حافة الحلم لنقاتل من اجل مستقبلنا العربي الافضل.