بعد نظر وطني
بعد ان تم تشخيص حالتي المرضية ، دفعت 75دينارا اردنيا عدا ونقدا ثمنا لنظارة القراءة الأولى، وبدأـ طريقي في عالم النظارات ، حيث لم تفلح جميع وسائل الإحتيال على العيون في تجاهل حقيقة حاجتى لعوينات من أجل القراءة ، وهي بالمناسبة كانت اول عوينات ارتديها ، مع أني قد وهن العظم مني، و بلغت من العمر عتيا وكشتي بيضاء، مثل ليّة الخروف، منذ سنوات.
النظارة الأولى هذه نسيتها في محل اراجيل في الشميساني بعد جلسة اراجيل مع الصديقين احمد حسن الزعبي ومحمد الظاهر ، ثم تكاسلت الذهاب لإسترجاعها، خصوصا بعد ان تعلمت على قصة «النظارة بدينار او دينارين» من وسط البلد. وها انا الان املك كومة من النظارات متوزعة في انحاء البيت. وبعد ان اشتريت نظارة ام مغناطيس ب12 من مادبا تبين لي انها تباع على البسطات وسط البلد(عمان) بثلاثة دنانير بدون مساعرة.
شكا والدي في عامه الثامن والثمانين من ضعف النظر بالقول بأنه لم يعد يرى جبال شيحان من فوق سطح بيتنا، ما اصابنا بالإحباط آنذاك ،لأننا لم نر قط جبال شيحان من هنا، حيث أنها تبعد عنا أكثر من 60 كم على الأقل. لكن حلم والدي تحقق بعد عام تقريبا حينما توفت جارتنا كاترينا، فطلب من ابنائها الحصول على نظارتها العملاقة ، فلم يقصروا ، وكانت بعدسة واحدة، والأخرى مفقودة ، لكن ذلك لم يمنع والدي من التلذذ بإرتداء النظارة، حتى وفاته عن 91 عاما ونيف، بنظارة ذات عدسة واحدة ،مثل تليسكوب المرحوم غاليلو.
نعالج بعد النظر، في حين ان العالم يعتبره ميزة لا يحصل عليها الا المثقفون والمصلحون والفلاسفة- حاشانا الله-. ولأننا من اصحاب بعد النظر ، فأننا نسعى الى قراءة الصحف والمجلات من الصفحة الأخيرة، ربما لأننا نستبق النتائج ، وهذا ما استطاعت شهرزاد أن تمنعه عن شهريار الذي كان سيقتلها لو عرف نهاية القصة ، ونحجت في النهاية في الإنتصار عليه ، وسجلت أول فوز أنثوي على عنجهية الذكر وغروره المستتب.
لعل من أوائل الشخصيات الساخرة التي ابتكرها يعقوب صنوع في مصر، هي شخصية (أبو نظارة) التي تم تحويلها الى شخصية كريكاتيرية كانت من اوائل هذه الشخصيات المبتكرة منذ نهايات القرن قبل الماضي، اذ يعتقد الناس ان من يستخدم النظارة يرى اكثر من غيره وبدقة أكبر ، ويستطيع أن يعلق على الأحداث بذكاء جارح…… طبعا هذا الحكي مش صحيح.
وتلولحي يا دالية