0020
0020
previous arrow
next arrow

تكاليف النزاع والمصالحة!!

أصبح العرب والفلسطينيون بشكل أخص – يحفظون عن ظهر قلب تكاليف الصراع الفلسطيني – الفلسطيني، فالخسائر لا تحتاج الى حاسوب ذكي أو غبي، أما المشهد فأتمنى أن يعرض علينا جميعاً من خلال لوحة شهيرة للفنان الاسباني غويا عن رجلين يتصارعان ويمسك كل منهما بعنق الآخر بينما تغوص أقدامهما في دوامة حتى الركبتين، وقد تبتلع الدوامة كليهما بعد فوات الأوان وقبل أن يستيقظا على مستوطنات تقترب من غرف نومهم ومن مهود أطفالهم.

تكاليف النزاع عرفناها وحفظناها، وما يفوتنا منها يذكرنا به الآخرون، وآخر من ذكرني شخصياً بها بل بالقليل منها كاتب فرنسي التقيته في الجزائر قبل أشهر، وقد شعرت بالحرج الشديد عندما قارن أوضاع فلسطين أثناء الاحتلال بأوضاع فرنسا في أربعينيات القرن الماضي عندما كانت ترزح تحت الاحتلال النازي. ولمجرد دخول أول دبابة المانية الى باريس سارع اليمين واليسار الى اللقاء وسعى لويس ارغون الشيوعي الى فرانسوا مورياك اليميني المتدين، مثلما التقى أقطاب الثقافة في باريس تحت الأرض في دار نشر سرية تحمل اسم كومبا أو المقاومة، وكان الكاتبان اللذان جمعتهما صداقة لدودة سارتر والبير كامو يتناوبان على كتابة افتتاحية النشرة اليومية.

سألني الصديق الفرنسي أيهما المارشال بيتان وحكومة فيشي.. رام الله أم غزة؟ فلم أجب ثم سألني كم فلسطينياً في فلسطين وكم اسرائيلاً تحتلها؟

ولم أجب أيضا؟ لكن عينيّ كما قال لي افتضحا ما يدور في رأسي، فقد علقت بهما دمعتان تحجرتا ولم تسقطا لكنهما حجبا وجه الرجل عني!

تلك تكاليف النزاع، أما تكاليف المصالحة فنادراً ما يذكرها أحد، طائرات تروح وتغدو في الفضاء ليس بين الصفا والمروة، بل بين مكة والقاهرة والدوحة وما لا ندري من العواصم. وفنادق لا تقل عن خمس أو سبع نجوم ومياومات بآلاف الدولارات والحصيلة تراكم من التسويف والاخفاق يضاعف من احباط الشعب الذي ينتظر العودة عن الطلاق الوطني.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، قال لي ذات يوم الأستاذ محمد حسنين هيكل بحضور الصديقين غسان طهبوب وأيمن الصياد، أنه فوجىء بوفد فلسطيني قادم من لندن الى القاهرة بالدرجة الأولى، وحين رحب به أعضاء الوفد وقالوا له أنها فرصة ثمينة للحديث معه حول بعض القضايا، أجابهم بما لم يخطر ببالهم على الاطلاق، قائلاً لماذا تركبون الطائرات بالدرجة الأولى وأحوال شعبكم كما نراها ونشعر بها، فأنا كاتب أعيش من دخلي ويفرض علي السّن مثل هذا الاختيار المكلف..

بالطبع صمتوا.. وربما لا يزالون صامتين عن أمور كهذه، فالثرثرة كلها عن الخلاف وعن المصالحة الأشبه بمسرحية صموئيل بيكت الذي يأتي ولا يأتي، لكن الطبعة الفلسطينية الجديدة من هذه المسرحية التي تنتمي الى ما يسمى مسرح العبث أو اللامعقول هي أن المصالحة تأتي كي تعتذر عن قدومها!!

ان الاستيطان الآن في ربيعه والوفاق الفلسطيني الوطني في خريفه أو ربما في فصل لا يوجد بأية تقاويم غير تقاويمنا العربية.

لقد مرّ زمن كانت فيه اسرائيل تشتري الوقت لاستكمال ما تسميه حرب استقلالها لكنها الآن تحصل عليه بالمجان!

كم هي محظوظة بأعدائها، وكم نحن غير محظوظين حتى بأصدقائنا.

كفى انتحاراً ولحس مبارد على طريقة القطط، فالدم الذي نستعذبه هو دمنا!!