ما لا نريد
لست من عشاق التنظير ، وأعتقد أن الكتب المملة التي كتبت حول الضحك والكتابة الساخرة أكثر بكثير من الكتب المملة التي كتبت في مجالات أخرى. لكننا نسقط،حاليا ،عربا وعروبة ومستعربين في مستنقع كبير من الحزن والقتل والإحباط وانهيار المشاريع القومية والوطنية .
من أجل كل هذا نهرب جميعا الى جدارنا الأخير وخط دفاعنا النهائي..نلجأ الى السخرية التي تنقذنا من الإحباط والجنون وانهيار الثقة بالذات..ان السخرية مانعة صواعق تمنحنا فرصة اخيرة في الحياة لنعيد تشكيل انفسنا، افرادا ودولا وأمة.
نسخر من أنفسنا أولا ، وهذه اول مرحلة من مراحل الإعتراف بالهزيمة ، اذ دون ان ندرك بأننا انهزمنا لا يمكن أن نقاتل من اجل ان ننتصر مرة اخرى.
ونسخر من الظالم والفاسد والمحتل ثانيا ، لأن السخرية هي السلاح الوحيد المتبقي معنا لنرفعه في وجه الرداءة، فنحرم هؤلاء من بهجة التمتع بالفوز علينا.
يقول غوته بأن لا شئ يدل على داخل الإنسان اكثر من الأشياء التي تضحكه، وقد ضحكت العرب منذ البدايات المكتوبة على الحمق والغفلة وقلة الذكاء، كما ضحكت على نوادر تتعلق بالجوع والطمع والبخل والقبح…. وكان هذه طريقتهم في الإنتصار على هذا الممارسات المقيتة.
تاريخنا مكتظ بالأدب الساخر ، ربما اكثر من جميع الشعوب الأخرى، لكن مشكلتنا تكمن في انغلاق النكتة العربية على الآخر سواء كان اوروبيا او افريقيا او غيرهم، سيما وأن نكاتنا تعتمد على اللغة وتنوعاتها في اكثرها ، ناهيك عن اعتمادها على الإستشهادات الدينية والشعرية التي لا يعرفها غير الناطقين بالعربية .
طبعا فإن المطلوب من الساخر أن لا يجعل سخريته رأس حربة تقطر سما ولؤما وأن لا يستخدم هذه السخرية ضد على الأعداء الشخصيين ، بل عليه ان يسخرها لخدمة وطنه وسعبه وأمته.
مشكلة أخرى تعاني منها السخرية العربية ، فهي لم ترتبط بالديمقراطية قط، بل كان الساخر غالبا ما يتعرض الى الهجوم المضاد ، فقد قتل المتنبي – مثلا – لأنه كتب قصيدة سخيفة في هجاء امرأة يلقبها بالطرطبّة( متدلية الثديين)، وقد تكون هذه القصة التاريخية مجرد عملية تمويه لإخفاء آثار القاتل الحقيقي للمتنبي ، سواء كان فردا أو جماعة أم حكاما.
وكما أن سخريتنا لم ترتبط بالديمقراطية منذ بداياتها حتى ساعة اعداد هذا المقال، فهي ايضا لا تحتوي على ثقافة التسامح. الساخر عندنا يتحول الى هجّاء، والمهجو يتحول الى مشروع قاتل عند أول فرصة تلوح له أولأحد افراد عشيرته للإنفراد بالشخص الذي سخر منه.
هل يوجد حل؟؟؟ بالتأكيد، لكن هذا الحل لا يأتي بالوعظ والإرشاد، بل هو عملية نوعية استراتيجية لتبديل بعض القناعات الضارة التي ساهمت في ايصالنا الى ما نحن فيه من ضياع.
لا اعرف كيف يمكن أن نصل الى هذا الحل ، لكننا في النهاية ينبغي أن نتوصل الى معادلة مهمة في التسامح من الجهتين أو الجبهتين ….لأننا دون ذلك سنحول السخرية ، بدلا من أن تكون سلاحا في يد الضعفاء لمواجهة الأقوياء ، تتحول الى سلاح في ايدينا لكنه يكرس ضعفنا وعبوديتنا.
وهذا بالتأكيد ما لا نريده على الإطلاق.