محاولات فاشلة
منذ ان بدأت العطلة الصيفية والأولاد يلحّون عليّ بطريقة منفّرة أن اشتري لهم طائرات ورقية أسوة بباقي صبيان الحي، فشهر حزيران موسمها السنوي الذي لا يغيب أو يتأخر ..في البداية حاولت التطنيش بحجة واهية ألا وهي أن إصبع رجلي “مدوحس” ولن تطير الطائرة إذا كان الإصبع “مدوحس”.. ما لبثت هذه الحجة أن تهاوت وسقطت .. فصارت وتيرة “اللحّ” تتصاعد وقت الغروب عندما تبدأ الطائرات الملوّنة تتعالى و”تتحالى” في سماء الحارة..بصراحة تملصي من شرائها سببه اني منذ الطفولة لم “أفلح” في إقلاع طائرة ورقية واحدة،..ولا أريد أن أكرر هذا الفشل أمام أولادي “على كبر”..
“شو بدكو بطولة السيرة”..أخيراً رضخت..اشتريت ثلاث طائرات…..أخفضت رأسي بين حبال الغسيل ومواسير الخزانات و صحون الستلايت…ووقفت أمامهم أشرح لهم بإسهاب كيفية عمل الطائرة وتوقيت رميها في بطن الريح الغربية ، وهم ينظرون إلي بمزيد من الثقة والإعجاب، وبقيت حاملاً الطائرة الأولى بيدي بانتظار هبة هواء “محرزة” تبيض وجهي أمام الرعية ..عملاً بالمقولة العربية ” اذا هبّت رياحك فاغتنمها”..جاءت هبة قوية..رميتها..بسرعة وشددت الخيط طارت نصف متر ثم سقطت على رأس الولد البكر..ابتسمت وبررت عدم طيرانها…لقلة كفاءة الريح..بعد دقائق رميتها ثانية..لفت قليلاً…ثم علقت بين الخزانين… سحبنا الخيط برفق ولين، الأولاد بدأوا يتأففون وهم يقارنون طائرتهم “القعود” بطائرات الحي التي وصلت ارتفاعات شاهقة جدا..قلت لهم ان رأس الطائرة ثقيل وذيلها طويل..وهذا السبب الذي يمنعها من الطيران…حاولنا تقصير الذيل وتزبيط “الرأس”..ورميناها من جديد ..التف خيطها على خصري وتدلّت مثل البندول بين ساقي ، تأفف الأولاد من جديد وبعضهم غادرني وجلس على نصف “بلوكة” قبالتي … احمرّ وجهي أكثر فموقفي لا أحسد عليه ..الا انني بقيت محافظاًً على رباطة جأشي..قلت لهم المساحة محصورة ولو كانت في مكان مفتوح لطيرتها منذ الدقيقة الأولى ..طبعاً لم يعجبهم تبريري هذا ..فكل أولاد الحي يطلقون طائراتهم بنفس الظروف تقريباً…أخيراً ركضت على ظهر الحيط بكل ما أوتيت من سرعة ، طارت الحفاية اليمين من رجلي وقفزت عن 4 صحون ستلايت…وقذفتها بقوة هائلة ..هوووب تأرجحت حلقت ثم سقطت على شادر البطيخ المجاور ..خرج الحجي من خربوشه وحيّاني بعبارة: “مين هالمسقّع”؟؟؟ فرديت على التحية بأحسن منها…وبدأت بسحب الخيط والطائرة الى سطح الطابق الثاني…جاملني أكثر الأولاد نفاقاً حيث قال: ” خلص بدناش نتعبك..نتفرج ع الطيارات الطايرة أحسن”..وعدتهم ان اصعد في اليوم التالي قبل المغرب بساعتين وبإذن الواحد الأحد سوف تطير…قبلوا وعدي على مضض.. لملمت الخيطان والبلاستيك الممزق ودخلت “بيت الدرج” وأنا أجر خلفي أذيال البلاستيك والخشب..ولسان حالي يقول ..”اذا طيارة من ورق مش عارفين نطيرها..كيف بدنا “نطير” فاسدين بهالثقل مش عارف”…
احمد حسن الزعبي