خصوم الأسد وأنصاره في عمّان
تركت الأزمة السورية أثراً عميقاً على الداخل الأردني، والواضح أن هناك معسكرات أردنية متضادة اليوم، على خلفية هذه الأزمة.
تقرأ تعبيرات النواب والإعلاميين والسياسيين والجماعات والأحزاب، فتكتشف أن هناك انشقاقاً طولياً وعرضياً بين هذه النخب على الخلفية السورية، والتراشقات بين المعسكرين باتت علنية، وامتدت إلى القاعدة الشعبية.
هذه النخب يصطف بعضها مع الأسد وحزب الله، وتراهم يعلنون ذلك، ويزورون السفير السوري في عمّان، ويعبرون عن مواقفهم السياسية لصالح الرئيس الأسد وحسن نصر الله، عبر الإعلام والمسيرات وتحت قبة البرلمان، وفي مواقع عدة.
مقابل هؤلاء تقوم نخب معارضة للأسد وحزب الله -وبالذات بعد مشاركته في القصير- بنشاطات في الاتجاه الآخر، فيزورون سفراء عربا تقف دولهم ضد النظام السوري، وترى تعبيرات إعلامية وسياسية وبرلمانية في ذات الاتجاه.
أكثر بلد عربي ترتد عليه أزمات الجوار هو الأردن، لأن البنية الشعبية في تركيبتها وجوهرها قومية، ولم تكن انعزالية تاريخياً، لذلك نرى دوماً أن احتلال فلسطين، ومحنة العراق، وما يجري في سورية، كلها قضايا ترتد على الأردن السياسي.
في دول عربية أخرى نرى شعوبها على غير صلة بهذه الأزمات، إذ تتشاغل عنها بشؤونها الداخلية، أو بالرفاه الاقتصادي، أو بالعيش بعيداً عن الأزمات، جراء الاغتراب القومي، أو حتى اللامبالاة.
الأزمة السورية شقت النخب في الأردن، وهذا الانشقاق امتد الى القاعدة الشعبية، فقد ترى مسيرات تهتف ضد حزب الله أمام السفارة اللبنانية، وقد ترى مسيرات تهتف لحسن نصر الله والحزب، وقد ترى مسيرات تهتف لصالح النظام السوري أمام السفارة السورية في عمان، باعتباره يواجه مؤامرة صهيونية، وقد ترى مسيرات عند ذات السفارة تهتف ضد السفير والنظام معاً.
هذا دليل على حيوية البلد السياسية، لكنه من جهة أخرى يؤشر على ثقل تداعيات الإقليم، وعدم القدرة على الفلتان منها سياسياً وشعبياً، بخاصة أنها تجري في بلد عربي مجاور، لكن المشهد يعكس انشقاقاً عميقاً تسببت به الأزمة السورية.
إذا تم إجراء دراسات على الأردنيين والعرب، لتم التأكد أن الأردني الأكثر معرفة بشؤون العرب السياسية مقارنة ببقية العرب.
الموقف الشعبي العام في الأردن تجاه الأزمة السورية كان متدرجاً وخضع لتغيرات متسارعة ومتناقضة، بخاصة بعد الشهور الستة الأولى للازمة، وحدثت انقلابات وتبدلات في كل الاتجاهات خلال العامين الفائتين.
لنتأمل المشهد بعمق: عدد من النواب يخطبون تأييداً لنظام الأسد، ويطلقون الاتهامات في وجه قطر، باعتبارها تؤيد اسقاط النظام، وبالمقابل هنالك نواب يلبون دعوة عشاء في بيت السفير القطري، وكأنهم يتنصلون من موقف زملائهم، والمحصلة أن النواب انشقوا فعلياً الى مجموعتين على خلفية الأزمة السورية.
هذا الانشقاق ممتد على كل المستويات، وتظهرآثاره شعبياً، وكأن هناك مكاسرة في الداخل الأردني حول الموقف من سورية، والكل يحاول حسم المكاسرة لصالح موقفه، والنتيجة تقول إن الأزمة السورية باتت أردنية في بعض فصولها.
نقرأ تصريحاً لأحد زعماء السلفيين الجهاديين يحذّر من حزب الله واننا سنراه في عمان، ومقابل تحذيره نقرأ لمحلل سياسي معروف يعتبر ان حزب الله يخوض معركة ضد الصهيونية، وانه يجترح فعلا وطنياً.
في النتيجة فإن الأزمة السورية فوق تداعيات اللجوء والآثار الأمنية والاقتصادية والسياسية، والمخاطر المقبلة، تركت أثراً عميقاً على الداخل الاردني، وهو أثر لم نر مثله في تداعيات قصص الربيع العربي من تونس الى ليبيا مروراً باليمن ومصر.
للأسد خصومه في عمان، كما أن للأسد اصدقاء، والقصة باتت تتجاوز الموقف من النظام السوري، الى استنتاج يقول إن الشام باعتبارها حاضنة عربية تاريخية، لا يمكن أن تتحوصل في أزمتها وحيدة، دون أن تترك تأثيرات حادة على كل الشام التاريخية، والمنطقة.
موقف الأردنيين من الأزمة السورية جدير بالتحليل العميق.