بين يدي الحسين وحابس ووصفي رحمهم الله
كان اللقاء على الأرجح في الحمر عشية تفاقم احداث ايلول، الحسين العظيم ووصفي واحمد الطراونه رحمهم الله جميعاً، يبحثون في أمر البلد بعد التعدي على هيبتها وتصاعد العمل الفدائي المسلح، والحديث آنذاك عن الجيش ودوره كما يروي أكثر من مصدر، وهو حديث قد يرويه البعض بحسب ما يرونه ضروريا، لكنه هنا من مصدرين كنت أود تلمس صدقية الخبر بينهما في أكثر من جلسه كلما تسنى لنا ذلك.
بعد الحديث مع أحمد الطراونه ووصفي، طلب الحسين رحمه الله حابس باشا، ودار الحديث بين الجميع. عتب حابس على سياسات الدولة وسماحها بالتعدي والتقصير في فرض القانون والسيادة.
ساعتئذٍ بدا الحسين غاضباً، العالم كله ينتظر سقوط دولته، في حوار البنادق والعمليات المسلحة بين الجيش العربي وقوات الفصائل، التي كان تتلقى دعم الأشقاء أيضاً.
القدس كانت الهدف للفصائل وطريق عبر عمان!، والعرب متفرجون والإعلام الغربي والعالم كله ينتظر مصير الدولة، فيما حابس باشا قد انهى عمله الرسمي العام 1968 وزيرا للدفاع، ولما رأى غضب الملك حسين، وبعد أن تحدثوا جميعا بالحل، تفحص الحسين وجوه رجاله وتأكد من صدقهم وثباتهم، وقال رحمه الله لهم: «أنتم أولاد البلد ديروها» وطلب تعيين حابس قائداً عاماً للجيش وحاكما عسكريا، وكأي قائد عظيم صدع المشير للأمر وضرروات بقاء الدولة، ولم يكن من وقت لإحضار بزة عسكرية لحابس، فخلع محمد كساب المجالي مرافق الحسين بزته وارتداها حابس، ثم قام الراحل الحسين بخلع رتبته العسكرية من على كتفيه وقلدها لحابس، والصورة توثق ذلك.
قال حابس بعد ذلك للملك حسين يا سيدي أنا قبلت المهمة، لكن ارجو أن تحضر قاضي القضاة (وخلال المدة 22/6/1970-15/9/1970 كان قاضي القضاة الشيح عبد الحميد السائح)، وجيء بقاضي القضاة أوعلى ألارجح حضر نائبه(لم يتذكر من حدثوني اسمه، ولعل السائح استقال آنذاك)، قال حابس لمن حضر: يا شيخنا نحن في البلد في حالة فتنة وعلاجها يقتضي الردع والقوة وقد تسيل دماء، فاين نحن من الشرع، وكانت الفتوى أن درء الفتنة واجب.
هناك يبدأ العمل وتبدأ ورشة من الجهد المنظم بين رجال دولة ثبتوا واعادوا للبلد هيبتها وانقذوها، وبين جنود الوطن الذين انتشروا واستشهدوا في كل أمكنة الصدام، علما أن هناك من حمل أمتعته إلى لندن وادعى فيما بعد أنه انقذ البلد، إلا أن الأبطال الحقيقيين وإن اخفاهم بعض كتاب التاريخ الرسمي، إلا أنهم باقون في السرد الشفهي الموجود في ضمير الناس ووجدانهم، وفي الصحافة الأجنبية كان حابس يملأ رسوم الكاريكاتير التي اطلقت عليه لقب «نيرون عمان»؟ وهذا موثق أيضا.
رحم الله قادتنا وشهداءنا وكل رجالنا الكبار الحسين العظيم وحابس ووصفي واحمد الطراونه وزيد بن شاكر وعاطف المجالي وسلميان عرار، فهؤلاء هم رجال الملك الذين رحلوا دونما عضوية بمجالس الشركات، أو امتلاك حصص بأسهمها، ودونما إداء مزيف على الشعب، أو امتلاك الشركات، ففي الوطن سهام من الوطنية الحقة، ومنهم حابس ووصفي وخالد هجوج وفاضل علي فهيد والشهداء راتب البطاينه وسالم الخصاونه ومسلم المطارنه ومحمد الحنيطي(وهؤلاء من شهداء الكرامة) وآخرون من الرجال والشهداء يضيق المقام بحصرهم دونما تفاضل لأحد منهم على أحد. لذلك سبقوا كباراً في ضمير ووجدان الناس.
Mohannad975@yahoo.com