تصورات الدولة عند الإسلاميين في الأردن
منذ أن رفعت الحركة الإسلامية في الأردن شعار «الإسلام هو الحل» في بياناتها الانتخابية في العام 1989م، وبرامجها السياسية، وهو شعار يفرض حكماً من علٍ، ومرورا بتذبذب العلاقة مع الحكم في الأردن، نتيجة لتأخر الإصلاح، وعدم تحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود بالسرعة التي كان يجب أن تسير عليها، يقرأ المطالع والراصد في خطاب الحركة الإسلامية تطورا وتغيراً مستمرا في المواقف والتصورات، في مسألة المواطنة وشكل الدولة، وقضاياهما، ومن صور ذلك القول: «باستعادة الحياة الإسلامية» بدلاً من «لا حكم إلا لله» أو «المشاركة المتوازنة و»التمثيل العادل» أو «الشراكة بدل المشاركة»، وهو عمليا خطاب يظهر قدرة الحركة على التكيف المرحلي تجاه الممكن سياسياً، ولكن تكيف في سياق المنتظر والمحتمل في المشهد الإصلاحي الأردني.
وفي ظل ذلك التحول الخطابي والتباين في المواقف السياسية بين قيادات الحركة الإسلامية؛ نتيجة لطبيعة الهوية المكونة لهم أردنيا، وبسبب عوامل التحول الديمقراطي الأردني المتأثرة بالإقليم وتحديات البلد الخاصة، بالإضافة للتطور الوظيفي لاستخدام الحركة الإسلامية مبادئ الدين في الحياة العامة، وبسبب طبيعة الواقع السياسي الأردني والتركيب الاجتماعي، نـَحت الحركة الإسلامية إلى عدم التصلب في قضايا الحكم والمشاركة، وفي النظرة لمسألة المواطنة وشكل الحكم في الأردن، ومارست مرونة مقبولة، سواءً في حالة كونها حليفاً للنظام السياسي أو في لحظات تعرضها إلى سياسات التهميش والتضييق والصِّدام والتجيش الشعبي ضدها.
ونتيجة لذلك، التقت الحركة في مواقفها السياسية تجاه شكل الدولة، ومسائل المواطنة وسقف الإصلاح المطلوب أردنيا مع الكتل السياسية الوطنية الأردنية في زمن الربيع العربي، ومن ذلك الالتقاء، شكل الإصلاح الدستوري إذ أيدت الحركة ما جرى من تعديلات لكنها وجدتها غير كافية، وهذا ليس موقف المعارضة فقط؛ لأن جلالة الملك رأى أن ما جرى هو بداية أولية، لشكل أفضل نحو الملكية الدستورية، وهناك تحول وتوافق للحركة مع القوى السياسية في مسائل المرأة والشباب والتعليم وغيرها.
كل ذلك كان يمهد لقبول الحركة الإسلامية بخيار الوصول للدولة المدنية في أيار 2011، وعبر الجبهة الوطنية للإصلاح ووثيقتها للتغيير الديمقراطي، ثم في وثيقة التجمع الشعبي للإصلاح في كانون الأول 2012، ومع أن ذلك مثّل تطوراً ملحوظاً في مواقف الحركة ورؤاها للحكم وشكل الدولة، إلا أنه موقف لم يختبر بعد من حيث الثبات أو الالتزام، وهو ما عكسته بعض التصريحات لقيادات الحركة الإسلامية فيما بعد، وفي استقلالهم بتشكيل مجلس أعلى للإصلاح خاص بهم ولا يمثل غيرهم معهم.
لذا، فإن دراسة مواقف الحركة الإسلامية في الأردن، وخطابها تجاه مسألة المواطنة، تقتضي مراجعة مواقفها منذ عودة الحياة الديمقراطية في الأردن العام 1989 ثم مشاركتها السياسية في الحكومات الأردنية، وما قدمته من أفكار داخل منظومة الخطاب الإخواني وهو ما عبَّرت عنه عدد من وثائقها، وبرامجها الانتخابية خلال مشاركتها في الانتخابات البرلمانية في الأعوام 1989 و1993 و2003، و2007. وما صدر عنها من بيانات سياسية خلال الربيع العربي عبر المجلس الأعلى للإصلاح الذي شكلته.
لكن مشكلة الإسلاميين تظل واحدة، غياب الثقة بما يقدم من إصلاح، والنظرة النهائية للدولة، وبالذات في مسألة دسترة فك الارتباط، وفي إقناع جماهيرهم فيمن يعملون داخل المرجعية التراثية بأن النسخة الدينية للدولة غير ممكنة التحقق.
Mohannad974@yahoo.com