صحيفة : هل هناك دور لجبهة النصرة بأحداث معان ؟
في مقال تحليلي لما يجري في جنوب الأردن وتحديدا في محافظة معان نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية رأى كاتب التحليل فيها بان الأمر الذي اصدرته جبهة النصرة الى التيار السلفي الجهادي في الاردن بعدم ارسال مقاتلين الى درعا قد ادى الى عودة عدد من مقاتلي التيار الى الاردن وتحديدا الى محافظة معان التي ينشط فيها التيار.
ويضع التحليل الذي يحاول تشريح مايجري في معان ‘ العلاقة العضوية التي تجمع الأمن بعناصر متشددة وأخرى إجرامية، والاعتقاد الراسخ لدى صنّاع القرار بالتحكم بقواعد اللعبة دائماً سيتكسر على صخور المتغيرات الإقليمية، وزيادة مستويات التهميش والإفقار والعنف في الأردن عامةً، وجنوبه بالتحديد ‘ .
وتاليا نص التحليل :
) وأسست لتحولات عميقة في المجتمع الأردني، وكان أبرزها هبة نيسان عام 1989، التي أدت إلى إنهاء الأحكام العرفية، وبدء ما سمي «الانفراج الديموقراطي»، لكن أربعاً وعشرين سنة انقضت تُظهر أن الأمن وحلوله هو ما تبقى من الدولة الفتية بعد خصخصة قطاعها العام، وأن الأزمات الاجتماعية المترتبة عليها باتت أكثر فتكاً بمصير البلاد.
منذ أسابيع قليلة، شهدت جامعة الحسين في المدينة الجنوبية اشتباكات عشائرية هي الأعنف، خلال عقدٍ من الزمن، وراح ضحيتها أربعة طلاب، ولم تطو صفحتها حتى اليوم، إذ لا يزال أهل المحافظة وناشطوها يطالبون بكشف نتائج التحقيقات ومعاقبة الجناة. ولم تمض أيام حتى عرضت مواقع إلكترونية _ لدوافع مشبوهة _ تسجيلاً يصور أشخاصاً يمثّلون بجثتين تعودان لمطلوبين من معان قتلا على يد الأمن، لتتأجج الاحتجاجات مجدداً مسفرة عن مزيد من القتلى والإصابات، وسط مخاوف وشكوك من إمكان تقديم المسؤولين عن حادثة «التمثيل بالجثث» لمحاكمة عادلة.
الانقسامات العشائرية بين سكان المدينة ومحيطها (البادية الجنوبية) تكرّس انعدام الثقة بدولة لم تؤسس عقداً اجتماعياً يحمي مواطنيها، إذ تبدت مطالبات البادية بالانفصال الإداري وتشكيل محافظة باسمها، نتيجة عدم اندماجهم بالمدينة وتهميشهم على حسابها (علماً بأن سكان محافظة معان لا يتجاوز 110 آلاف نسمة)، والتهميش ذاته يرفعه أبناء المدينة شعاراً لغضبهم. لكن الأخطر من ذلك كلّه تأييد المعانيين لتحرك الأمن في بداية الأزمة، معتقدين أنه يقف في صفهم، ثم تأييد عشائر البادية، لاحقاً، للحملة الأمنية على المدينة، ظنّاً منهم بانتصارها لهم، فيما تبدو الدولة ـــ ببناها السياسية والاجتماعية والثقافية ـــ غائبة.
|
عصيان مدني لليوم الثالث على التوالي ونقص في الخبز، والحل الأمني سيد الموقف، وهو ما يجعل أي تسوية عشائرية أو تدخل مباشر للقصر تسكيناً مؤقتاً في محافظة تحوي الجيوب الأشد فقراً في المملكة، وتشهد تنامياً ملحوظاً في التيار السلفي الجهادي ومعدلات البطالة وتزايد أعمال التهريب والعنف.
لا صوت يعلو فوق أزيز الرصاص في معان، باستثناء وعود حكومية مؤجلة حول كشف أسباب الأزمة، وإلى جوارها أطلق أحد زعماء التيار السلفي الجهادي في المدينة، الملقب بأبي سياف، دعوات إلى وأد الفتنة، مؤكداً ـــ في الوقت نفسه ـــ أنه «ليس حريصاً على نظام أو حكومة»، وهي دعوات متزامنة مع تصريح لجبهة النصرة طالبت فيه التيار بوقف إرسال مقاتلين إلى مدينة درعا السورية، فيما الأنباء تتوالى عن عودة بعضهم إلى الأردن، ومعان خاصة، التي تعدّ إحدى أهم حاضناتهم.
عودة مقاتلي التيار السلفي إلى بلادهم كانت متوقعة، لكنها تأتي بعد توحيد جبهة النصرة في العراق وبلاد الشام، ورفضهم أية قوانين وضعية، وهو ما يزيد احتمالية توظيفهم أمنياً، مرة أخرى، داخل الأردن ضمن أجندات تخضع لأجهزة أمن أردنية أو عربية، وهي دورة لا ترتبط بحسابات سياسية فقط، كما يتصور أصحابها؛ فالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي طاولت بنية مدن أردنية، في مقدمها معان، تشير إلى ارتباطاتها بمنظومة كاملة لا تخضع للدولة، سواء في ما يتصل بتنسيقهم الدائم مع عناصر القاعدة في بلدان العالم، أو في اعتمادها المالي على تهريب السلاح وغيره، أو على منح ومساعدات تتجاوز منطق الحدود والسيادة.
العلاقة العضوية التي تجمع الأمن بعناصر متشددة وأخرى إجرامية، والاعتقاد الراسخ لدى صنّاع القرار بالتحكم بقواعد اللعبة دائماً سيتكسر على صخور المتغيرات الإقليمية، وزيادة مستويات التهميش والإفقار والعنف في الأردن عامةً، وجنوبه بالتحديد.
في انتظار مخارج هشة لأزمة قد تنتهي بـ«صلحة» عشائرية أو إسقاط الحكومة في حال تدهور الأوضاع في الأيام المقبلة، ما قد يدفع الجيش إلى التدخل، لكن سؤال الجنوب سيتعمق أردنياً نحو مزيد من التأزيم وفتح الاحتمالات أمام نشوء تيارات متطرفة تؤمن بقوتها لا بعدالة القانون