العسكري : مهندس الاستقرار في ساحة الأزمة من الثكنات إلى قبة السياسة.. من الأجدر بقيادة دفة الإصلاح
كتب . د بكر محمود السويلميين
عندما تشتد الأزمات، يبرق سؤال ملحّ في الأفق: من هو الأنسب لقيادة وزارة ما وإصلاحها؟ هل نلجأ لصرامة العسكري وانضباطه، أم لمرونة السياسي ومهاراته في الاقناع؟ الإجابة ليست بساطة اختيار بين نمطين، بل هي تشخيص دقيق لمرحلة الدولة وطبيعة الأزمة.
ثمة حالات تكون فيها الحسم وسرعة التنفيذ هي البلسم الشافي، وهنا تبرز مزايا صاحب الخلفية العسكرية.
نجد ضالتنا فيه عندما تكون الأولويةوقف النزيف؛ في أوقات الفوضى الأمنية، أو انهيار النظام، أو عند الحاجة لتنفيذ مشاريع عملاقة بجداول زمنية محكمة. هو خيار المراحل الحادة، حيث يكون “الاستقرار” هو الشغل الشاغل.
يأتي صاحب الخلفية العسكرية حاملا في جعبته ثقافة الانضباط الهرمي والالتزام بالمواعيد، مما يحد من الفوضى البيروقراطية. قدرته على التخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات تحت الضغط لا تقدر بثمن. وغالباً ما يكون قد تشرب قيماً راسخة مثل النزاهة والولاء للوطن، بعيداً عن المصالح الضيقة.
ولكن رغم هذه المزايا،فإن النموذج العسكري يحمل احيانا ,بذور أزمته الخاصة في الحكم المدني. أخطرها نزعة الأمر والنهي، حيث يُعامَل المعارض وكأنه “عدو” يجب إسكاته، لا شريك في الوطن. كما أن النظرة الأمنية قد تطغى على الأولويات المدنية الحيوية كالصحة والتعليم. وأخيراً، خطر تسييس الجيش وإذابته في بوتقة السلطة، مما يقوض مهنيته وهو خط أحمر في الدول المستقرة.
السياسي: مهندس البناء في مرحلة التأسيس
إذا كانت المرحلة تتطلب بناءً طويل الأمد، فهنا تأتي أهمية صاحب الفكر السياسي.
نستدعيه ونجده خياراًمثالياً في فترات البناء والإصلاح الطويلة، وعندما تكون القضية جوهرها التوافق المجتمعي، كما في وزارات التعليم والثقافة. هو الأجدر بحل المشاكل المزمنة متعددة الجذور، والتي تحتاج لمفاوضات وبناء تحالفات.
وهو يمتلك رؤية شمولية تربط بين القطاعات المختلفة. يتقن فن التفاوض والإقناع لكسب التأييد وحشد الدعم. يتمتع بمرونة تمكنه من قراءة المشاعر العامة والتكيف معها، فضلاً عن قدرته على بناء التحالفات وجمع المتنافرين حول هدف مشترك.
ولكن.قد تتحول مرونته إلى مماطلة وتردد في محاولة إرضاء الجميع. وقد تطغى الولاءات الحزبية أو المصالح الضيقة على المصلحة الوطنية العليا. والأخطر، أن يكون بارعاً في الخطاب والظهور الإعلامي، لكنه ضعيف في التنفيذ وإدارة التفاصيل.
لا بد من قيادة هجينة تجمع بين الحكمة والحسم
في الميزان النهائي، الإصلاح الحقيقي لا يحتاج إلى عنوان “عسكري” أو “سياسي”، بل إلى قائد تتوفر فيه مواصفات سامية.
النجاح مرهون أولا بـ تشخيص المرحلة: فالعسكري لأزمة الاستقرار، والسياسي لأزمة البناء. ولكن الشرط الأساسي الذي لا يحتمل المساومة هو النزاهة المطلقة والولاء للوطن.
النموذج المثالي الذي ننشده هو ذلك القائد الذي يمتلك عقلية السياسي الاستراتيجية ليرى الصورة الكبيرة، ونفسية العسكري التنفيذية ليطوع الرؤية إلى واقع ملموس، وذكاء الإداري الذي يستفيد من كل الكفاءات.
في الختام، “أصلح الوزارة” ليست شهادة تمنح لخلفية، بل هي صفة تُكسب للإنسان الذي يمتلك حكمة اختيار الأداة المناسبة للوقت المناسب، مزوداً بالرؤية والحسم والأخلاق التي تؤهله لقيادة دفة الإصلاح نحو بر الأمان.