الأردن يواصل رسم ملامح مرحلة من الحضور الإنتاجي والتجاري بالأسواق العالمية
وكالة الناس- من أروقة المصانع المحلية، يواصل الأردن رسم ملامح مرحلة جديدة من الحضور الإنتاجي والتجاري، مدفوعا برؤية ملكية واضحة نحو اقتصاد أكثر انفتاحا وتنافسية.
ومع ارتفاع الصادرات الوطنية بنسبة 8 بالمئة حتى نهاية آب الماضي؛ تتجلى إرادة القطاعين العام والخاص، في تحويل التحديات إلى فرص، من خلال تنويع الأسواق والمنتجات، واستثمار شبكة واسعة من اتفاقيات التجارة الحرة التي تمثل جواز عبور للصناعات الأردنية نحو العالم.
فمن الصين إلى إفريقيا، ومن الأسواق العربية إلى الآسيوية، تتجه دعوات خبراء تحدثوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) نحو انفتاح مدروس يعيد رسم موقع الأردن على خارطة التصدير، اعتمادا على قدرة المنتج المحلي على حمل اسم المملكة إلى أبعد مدى، بجودة تنافسية مشهود لها.
قيمة الصادرات الوطنية ارتفعت منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية آب الماضي بنسبة 8 بالمئة، وقيمة المعاد تصديره بنسبة 4.8 بالمئة، فيما ارتفعت قيمة الصادرات الكلية بنسبة 7.7 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وفق التقرير الشهري لدائرة الإحصاءات العامة حول التجارة الخارجية في الأردن.
وبلغت نسبة تغطية الصادرات الكلية للمستوردات 51 بالمئة خلال الفترة ذاتها مقارنة مع 50 بالمئة لنفس الفترة من 2024، بارتفاع مقداره نقطة مئوية واحدة، لتبلغ قيمتها 6 مليارات و710 ملايين دينار، حيث شكلت الصادرات الوطنية منها 6 مليارات و98 مليون دينار، والمعاد تصديره 612 مليون دينار، في حين بلغت قيمة المستوردات 13 مليار و156 مليون دينار خلال نفس الفترة.
وأكد رئيس جمعية المصدرين الأردنيين العين أحمد الخضري، أن الحكومة تضع في مقدمة أولوياتها خلال المرحلة الحالية زيادة الصادرات الأردنية وتنويع سلة الصادرات، بهدف الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأسواق العالمية، وتعزيز حضور المنتجات الأردنية في الخارج.
وأوضح أن الأردن يتمتع بشبكة واسعة من اتفاقيات التجارة الحرة تشمل الولايات المتحدة الأميركية وكندا وسنغافورة، والاتحاد الأوروبي، من خلال اتفاقية قواعد المنشأ المبسطة، بالإضافة إلى اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، مشيرا إلى أن هذه الاتفاقيات تشكل قاعدة انطلاق مهمة لزيادة الصادرات الوطنية.
وبين أن السوق الصينية من الأسواق التي توليها الحكومة اهتماما خاصا، فهي تعد من أكبر الأسواق العالمية وإحدى الأسواق “الخام” القابلة لاستيعاب المنتجات الغذائية الأردنية خاصة.
ودعا إلى العمل على توقيع بروتوكول رسمي بين الأردن والصين لتسهيل دخول المنتجات الغذائية الأردنية إلى السوق الصيني بطريقة قانونية ومنظمة، خصوصا في ظل الإجراءات التي تتخذها الحكومة الصينية أحيانا للحد من دخول بعض السلع الغذائية.
كما أشار إلى أن الحكومة تسعى بنحو جاد إلى الدخول إلى الأسواق الإفريقية، رغم أن الأردن ليس عضوا في اتفاقية الكوميسا أو الاتحاد الإفريقي، مؤكدا أن هناك محاولات حثيثة لفتح قنوات تجارية مع عدد من الدول الإفريقية، لما تمثله هذه الأسواق من فرص واعدة للمنتجات الأردنية.
وقال إن وزارة الصناعة والتجارة والتموين تدرك تماما أهمية التوسع في الأسواق الخارجية، لأن أي سوق قد تغلق في أي وقت لأسباب مختلفة، ما يجعل من الضروري إيجاد بدائل متعددة لضمان استمرارية الصادرات الأردنية.
وأكد أن تكثيف البعثات التجارية إلى مختلف دول العالم يمثل أداة فعالة لتعزيز الوجود الأردني في الأسواق الخارجية، إلى جانب السعي لعقد اتفاقيات جديدة، من بينها اتفاقية اليورو آسيوية التي تضم روسيا، روسيا البيضاء، قيرغيزستان، كازاخستان وأرمينيا، وهي أسواق واعدة رغم صعوبة دخولها، إلا أن تثبيت الحضور فيها يفتح آفاقا كبيرة للمنتجات العربية.
وفي هذا الإطار، شدد على أهمية توسيع اتفاقيات التجارة الحرة مع عدد من الدول، وعلى رأسها الصين، حتى لو كانت الاتفاقية محدودة وتشمل عددا من السلع (مثل مئة سلعة)، مقابل استثناءات جمركية، نظرا لأن العجز في الميزان التجاري يميل بشكل كبير لصالح الصين، مشيرا إلى أن الصين تعمل حاليا على تشجيع الاستيراد لتقليص العجز التجاري.
وخلص إلى أن هناك إقبالا متزايدا من الصينيين على المأكولات العربية، حيث تنتشر مطاعم لبنانية تقدم أطباق الحمص والفلافل والشاورما، ويشكل الزبائن الصينيون نحو 10 أضعاف الزبائن العرب، ما يدل على وجود فرصة حقيقية للمنتجات الغذائية الأردنية لدخول السوق الصينية بقوة.
بدوره، قال نائب رئيس غرفة صناعة عمان تميم القصراوي، إن التصدير الأردني يواجه 3 تحديات رئيسية تتعلق بتركيز المنتجات، الأسواق، وعدد الشركات المصدرة.
وأوضح أن نحو 21 منتجا فقط تشكل نحو 78 بالمئة من إجمالي الصادرات الأردنية، ما يعني وجود تركز مرتفع في نوعية السلع المصدرة، كما أن 80 بالمئة من الصادرات الأردنية تتجه إلى عدد من الدول، ما يزيد من هشاشة النشاط التصديري أمام أي تغير في الأسواق المستهدفة.
وأضاف أن عدد الشركات الأردنية القادرة على التصدير ما يزال محدودا، وهو ما يشكل تحديا أمام التوسع في الأسواق العالمية.
وأشار إلى أن معالجة هذه التحديات تتطلب توسيع قاعدة المنتجات التصديرية، من خلال دراسة الفرص المتاحة في الأسواق الدولية، وتحديد السلع التي تمتلك فرص نمو حقيقية، ثم دعم الشركات القادرة على الاستفادة من هذه الفرص، خصوصا تلك التي تمتلك قيمة مضافة عالية أو تعتمد على التكنولوجيا.
ودعا إلى إطلاق برامج متخصصة لرفع جاهزية الشركات للتصدير، بحيث يتم تدريب الشركات على التسعير الصحيح، ومتطلبات الشهادات الفنية، وبناء الهياكل التنظيمية التي تؤهلها لدخول الأسواق الخارجية بثقة.
وشدد على أهمية تنويع الأسواق التصديرية، مؤكدا أن الاعتماد التقليدي على أسواق الدول العربية وأميركا وكندا وسنغافورة لم يعد كافيا، وأن على الأردن التوجه نحو الأسواق الإفريقية وأسواق جديدة أخرى تتيح فرصا واعدة للنمو.
ولفت إلى أن برامج دعم التصدير والمعارض التي أطلقت أخيرا، كان لها أثر إيجابي في تعزيز حضور المنتجات الأردنية خارجيا، بفضل الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، وجهود صندوق تطوير الصناعة.
من جهتها، دعت الصناعية وسيدة الأعمال لينا هنديلة، إلى اتخاذ مجموعة من الخطوات لتعزيز الصادرات الأردنية ورفع قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، منها تعزيز دور البعثات التجارية والسفارات الأردنية في الخارج، لما لها من أهمية كبيرة في فتح أسواق جديدة والترويج للمنتجات الوطنية.
وقالت إنه من الضروري تبسيط الإجراءات الحكومية، وتسهيل عمليات التصدير، إلى جانب تخفيض الكلف المرتبطة به مثل النقل والضرائب والرسوم المختلفة، مؤكدة أهمية الاستقرار في التشريعات والسياسات الاقتصادية لضمان بيئة آمنة ومستقطبة للمصدرين.
وأكدت ضرورة تشجيع الصناعات ذات القيمة المضافة، ودعم الابتكار والتطوير والبحث العلمي في القطاعات الإنتاجية، إضافة إلى الترويج للمنتجات الأردنية من خلال المعارض والبعثات التجارية في الأسواق الخارجية.
وأشارت إلى أهمية تطوير منظومة النقل البري والبحري والجوي وتعزيز الربط مع الموانئ الإقليمية، بما يسهل حركة الصادرات الأردنية ويقلل من كلف الشحن.
وأكدت الحاجة إلى توسيع شبكة اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول التي تمتلك فرصا واعدة، مثل إفريقيا الجنوبية وأميركا اللاتينية، إلى جانب إنشاء منصات رقمية لترويج الصادرات الأردنية وفتح أسواق جديدة من خلال إرسال بعثات تجارية متخصصة.
ولفتت إلى أن فرص نمو الصادرات الأردنية في تزايد، معربة عن تفاؤلها بالمستقبل وبقدرة الأردن على توسيع حضوره في الأسواق العالمية خلال المرحلة المقبلة.
ودعا الخبير الاقتصادي محمد البشير، إلى ضرورة أن تعمل الحكومة ومجلس النواب، على إجراء تعديلات تشريعية شاملة تتعلق بالضرائب، خاصة ضريبة المبيعات، التي تفرض على معظم السلع والخدمات وأسهمت بنحو مباشر في رفع تكلفة الإنتاج المحلي سواء على المستهلك أو على المصدر.
وأشار إلى أن ارتفاع تكلفة الطاقة ما يزال يشكل عبئا كبيرا على القطاع الصناعي الأردني، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة على القروض الممنوحة للشركات، الأمر الذي ينعكس سلبا على تنافسية الصناعة الأردنية وقدرتها على التوسع في الأسواق الخارجية.
وأكد أن إدارة هذه الملفات بفعالية وتخفيض تكاليفها، سيسهم بصورة ملموسة في رفع نسبة الصادرات الأردنية، والتي سجلت ارتفاعا بنسبة 8 بالمئة مقارنة بسنوات سابقة، رغم التحديات الإقليمية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة.
وبين أن الظروف الإقليمية الراهنة والارتفاع العالمي في أسعار السلع وتكاليف النقل، إلى جانب العدوان على غزة وما ترتب عليه من تداعيات اقتصادية، كلها عوامل أثرت على حركة التجارة في المنطقة، معتبرا أن الأردن تأثر بنحو مباشر أو غير مباشر بهذه التطورات.
ورغم ذلك، أكد البشير أن ما تحقق يعد إنجازا يحسب للصناعة الأردنية ويعكس قدرتها على الصمود والتكيف مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة، مشيرا إلى أن مواصلة الإصلاحات الاقتصادية وتخفيف الأعباء عن القطاع الإنتاجي ستسهم في تعزيز النمو ورفع تنافسية الصادرات في المرحلة المقبلة.










