0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

الملافظ محاسن

كتبت. د. ناديا الذياب

وكالة الناس-يُقال: المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فالقلب محفوظ بين الضلوع، خفي بنواياه ومشاعره التي لا يعلمها ولا يطلع عليها إلا الله، ويبقى لنا نحن البشر الظاهر من القول الذي يتفوه به صاحبه، وما يجري على لسان كل منا. فالكلمة قد تكون بلسماً، وقد تكون سيفاً.

 

لسان الإنسان هو حاله، وهو وسيلة عظيمة قد ترفعه وقد تنزل من مقامه، لسان الإنسان وملافظه هي التي تجعله متقبلاً ،وهي التي تجعله منبوذاً، ملافظ الإنسان وما ينطق به هي التي تجعل الناس يحكمون عليك بالفهم او بالجهل، بالغباء او بالذكاء، بالخير أو بالشر، بالقبول او بالنفور، لذلك، انتقي كلماتك وحروفك ونبرة صوتك مثلما تنتقي طعامك وشرابك ولباسك بل فأكثر.

 

الكلمة الجميلة تبني بيوتاً وأوطاناً، والكلمة القبيحة تهدم بنياناً وعشرةً طالت ودامت عمراً بأكمله. هناك بعض الناس لا يلتفتون لما يقولون، ولا يهمهم اختيار الملافظ الحسنة الجميلة، بحجة أنهم لا يحبون المجاملات ولا الرياء في الكلام. حسن الملافظ لا يُمكن أن يُفسّر ويُحصَر في هذه الدائرة المغلقة دائماً، فالكلمة الجميلة تعكس ذوق ناطقها، ومدى رقيه الفكري والإنساني والشعوري، فالإنسان في مواضع عديدة قد يحيا بالكلمة الطيبة،وقد يموت شعورياً بسماع الكلم الجارح.

 

هناك من اعتاد على استخدام الملافظ الحسنة في الخطاب والردود والحوار مع من يعرف ومن لا يعرف. وهناك من يتلذذ باستخدام الكلمات النابية القاسية، وهذا ليس له علاقة في معظم الأحيان بنوعية المتلقي وجو الخطاب، فالكلام صفة المتكلم.

 

الكلم الطيب حتى في الحوار الشديد والملام والخصام يكون هو الأنجع والأكثر تأثيراً، الإنسان السوي بطبعه يتأثر بالأسلوب الحسن ويميل إلى الطيب من الكلام. الكلم الطيب وملافظ الخير هي مفتاح الرزق والنجاح والفلاح.

التجار وأصحاب المصالح الناجحون يدفعون الآخرين للإقبال على زيارتهم والتعامل معهم بسبب لباقتهم، وحسن أسلوبهم، وجمال ملافظهم. وترى البعض ينفر الناس من التعامل معهم ولو قُدّمت لهم الحاجة على طبق من ذهب.

 

يقول أحد المدرسين : كان أحد طلابي الذين عرفوا بالالتزام، والتفوق، يتغيب عن محاضراته وتراجع أداؤه، فناديته إلى مكتبي ذات يوم لأتحدث معه بهذا الشأن، قلت له بلهجتي التي اعتدت أن اكلم بها طلابي دائماً، ” آه يا بوي، ليش متراجع وعلاماتك نازلة؟ فما سمع مني هذا السؤال حتى انهار بالبكاء الشديد، وقال لي قلها مرة أخرى ارجوك، سألته ماالذي تريدني ان أقوله مرة أخرى؟ قال : قل لي يا بوي. كم أشتاق لسماع تلك الكلمة التي كانت تمدني بالحياة عندما كنت اسمعها من والدي، الذي كان يناديني دائماً “يا بوي”. واخبرني بأن والده توفي منذ فترة قريبة، وأصبح يجلس لفترات طويلة في الدكان الذي كان يديره والده ولم يعد لديه وقتاً كافياً للدراسة. يقول الأستاذ، علمني هذا الطالب بشعوره أن أكون بمقام الأب مع جميع طلابي، وأن اختار الملافظ الجميلة التي تتناسب مع مستواهم وشعورهم

 

وأخيراً أقول: يجب على كل إنسان، بشكل عام، والذي تفرض عليه مهنته وطبيعة عمله على التعامل مع العامة بمختلف أصنافها وطبقاتها، بشكل خاص، أن يكون حريصاً جداً ومنتبهاً للكلمات التي يخاطب بها قبيله، وأن يكون على إيقانٍ أن لغة الحوار والملافظ هي الجالبة للرزق المقدر من عند الله، وهي السبب في نيل محبة الناس واحترامهم وتقديرهم وإعجابهم، وهي السبيل إلى النجاح المجتمعي والأسري، وهي المفتاح السحري للدخول إلى قلوب الناس، والسر الذي يحقق العديد من الناس من خلاله كل ما يصبون إليه، وهو الطريق إلى نيل رضا الله ومحبة خلقه.