الاعتراف بدولة فلسطين… بين الشكلية والواقع المرير
بقلم المحامي وسيم مصطفى ياغي
كثير من الدول الغربية، وخاصة في أوروبا، أعلنت رسميًا اعترافها بدولة فلسطين. هذه الاعترافات يراها البعض خطوة إيجابية، بينما يعتبرها آخرون بلا قيمة تُذكر. وهنا يطرح السؤال نفسه:
هل هذه الاعترافات تعني قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على أرضها وشعبها؟ أم أنها مجرد صيغة مزدوجة تعني القبول بوجود “دولتين”: دولة فلسطينية شكلية إلى جانب الكيان الصهيوني؟
والفرق بين الحالتين كبير، كالفرق بين الثرى والثريا.
الاعتراف الحقيقي والوحيد الذي يستحق أن يُبنى عليه، هو الاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس ، وهو ما كان يجب أن يحصل منذ سنوات طويلة. لكن مع الأسف جاء متأخرًا، وجاء أيضًا ناقصًا لا يرتقي إلى مستوى طموحات الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية.
بعد 7 أكتوبر.. اعترافات تحت الضغط
لا يمكن إنكار أن هجوم السابع من أكتوبر وما تلاه من أحداث، خلق ضغطًا شعبيًا هائلًا على الحكومات الغربية، الأمر الذي دفع بعض الدول إلى الاعتراف بدولة فلسطين. وهذه خطوة نفتخر بها من ناحية معنوية، لكنها تبقى في الجوهر اعترافات شكلية، لأنها لم تغيّر شيئًا على أرض الواقع: فالاحتلال مستمر، القصف قائم، والتهجير متواصل من الضفة الغربية إلى غزة. والمستوطنات في ازدياد والتهديد الصهيوني المدعوم من الإدارة الأمريكية بتهويد جميع الأراضي الفلسطينية وضم الأغوار وانهاء السلطة الفلسطينية مستمراً
والدليل على ذلك أن نتنياهو خرج بعد موجة هذه الاعترافات ليؤكد التزامه بمواصلة الاستيطان، وليعلن استعداد الجيش لتصعيد عملياته في الضفة الغربية، وكأن شيئًا لم يكن.
الاعتراف المشروط وحل الدولتين
الأخطر أن هذه الاعترافات غالبًا ما ترتبط بمفهوم “حل الدولتين”، وهو حل يُراد منه عمليًا دعم السلطة الفلسطينية مقابل الضغط على المقاومة في غزة لتسليم سلاحها. وهذا يعني عمليًا محاولة تصفية المقاومة وإلغائها من المشهد، تمامًا كما جرى في اتفاقية أوسلو، حين سلّمت حركة فتح سلاحها للكيان الصهيوني، ومع ذلك استمر الاحتلال واستمر الاستيطان، بل وتقسّمت الضفة الغربية إلى مناطق معزولة وممزقة.
الاعترافات في ظل مجلس الأمن
وما يزيد الطين بلة، أنه حتى عندما يصوّت مجلس الأمن بأغلبية كبيرة لصالح قرارات تدعو إلى وقف الحرب على غزة، يخرج الفيتو الأمريكي ليجهض هذه القرارات، فتسقط كلها أمام رغبة واشنطن في حماية الكيان الصهيوني. وبريطانيا وفرنسا أيضًا تملكان حق الفيتو، لكن مواقفهما ليست بعيدة عن نفس النهج. وهنا يظهر السؤال من جديد: ما جدوى الاعترافات إذا كانت عاجزة عن حماية طفل فلسطيني واحد من القصف؟
ما المطلوب؟
الاعترافات لن تُثمر شيئًا إن لم تكن جزءًا من حل سياسي عادل وملزم، يجبر الاحتلال على الانسحاب إلى حدود 1967، ويضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة، بعاصمتها القدس ، مع ضمان حق العودة ووقف الاستيطان نهائيًا. غير ذلك ستبقى هذه الاعترافات مجرد حبر على ورق، لا تُغني ولا تُسمن من جوع، ولا تضمن أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني.