مستوى تحقيق الديمقراطية في ظل صراعات الشرق العربي
كتب. كريستين حنا نصر
الديمقراطية في الشرق العربي لا تنطبق أو موجودة على أرض الواقع ، وذلك مقارنة مع الدول المتقدمة في الديمقراطيات، ولأسباب كثيرة منها وأهمها الفترة التي تمر بها المنطقة من صراعات عسكرية وحروب وأوضاع اقتصادية صعبة ، فعلى سبيل المثال ،؛ كيف يمكن تطبيق الديمقراطية في ظل كل هذه المآسي الانسانية ، حيث التعليم قد تأثر ، خاصة في إطار تدني مستوى التعيلم وارتفاع نسبة الأُمية في المناطق المنكوبة ، فالديمقراطية هي كمفهوم احترام الآخر كأنسان وبغض النظر عن دينيه وانتمائه السياسي والاجتماعي ، والأهم عدم تخوين الآخر المختلف عنك في الوطن الواحد ، والسؤال هنا كيف يمكن تطبيق هذه الأفكار في بعض مناطق النزاعات والصراعات ؟ ، فعلى سبيل المثال الأحداث الأخيرة في سوريا وما تتضمنه من انتهاكات وممارسات ضد بعض الأقليات ، هو أمر قد خلق بحق شرخاً في المجتمع وأثر على وجود المواطنة بين مكونات المجتمع المختلف ، فقد وصفت الجرائم والانتهاكات كجرائم حرب ، والسؤال الاخر المهم أيضاً ، هو كيف يمكن أن تتواجد الديمقراطية في ظل مشاهد القتل المتبادل بين مكونات الوطن والمجتمع الواحد ؟.
للأسف نحن وفي هذه الفترة التي نمر فيها ، اعتقد أننا عملياً بعيدين جداً عن مفهوم تطبيق الديمقراطية ، فمبادئها مفقودة كلياً ، فالديمقراطية في أي دولة تبدأ في نفوس الناس أولاً ، وفي مبادئهم وأفعالهم ومستوى تطورهم العلمي والثقافي والاجتماعي والالتزام الديني ، والأهم في تطبيق مفهوم أن حريتك لها حدود وبالاخص عندما تؤثر على خصوصية وحرية الآخر ، وأن لا تتعدى حدود أي شخص ولا تقتحم حرية الاخرين .
ويلاحظ أن المبدأ الأول والأبرز في مفهوم الفئات المتطرفة مثل أيدلوجيات داعش التي استقطبت لصفوفها الشباب خصوصاً العاطلين منهم عن العمل ، هو عملها بأسم الدين الذي هو برأة من كل مظاهر هذا النهج المغلوط لمفهوم الدين ، واستغلاله كوسيلة لتشويه مبادىء وتعاليم الدين لمصالحها الشخصية ، ومن ذلك مثلاً التبلي على المسلمين واتهامهم بأنهم كفّار ، الى جانب استخدامها هذه التهمة كوسيلة وحجة لنحرهم وقتلهم ، وهذا كان أمراً فظيعاً حقاً ، أيضاً هي ممارسات جرى تطبيقها على الاقليات وبالزعم أنها مكونات كافرة ومن الحلال قتلهم ، وكل هذا كان يجري ويطبق باسم الله ، وهنا نلاحظ استخدم الانسان الله ليقتل باسمه البشر ويجيز افعاله ضدهم ، بما في ذلك القول بأن من الحلال سرقتهم ونحرهم والاستيلاء على بيوتهم لأنهم كفار ، وللاسف الكثير من الاقليات قتلوا واختطفوا واخذوا سبايا لهم ، تحت ذريعة كاذبة وهي أن الله سمح لهم بهذا .
وللاسف النظرة القائمة على أن الاخر المختلف عنك هو كافر وحلال قتله وسرقته ، هو مبدأ متطرف غير اخلاقي ولا يمت بصلة لأي تعاليم ومبادىء دينية وهي طبعاً أفعال قاسية ليست من تعاليم الله ، وغير موجودة أساساً في مبادىء أي ديانة في هذا العالم ، والسؤال هنا كيف يمكن أن تطبق الديمقراطية في ظل هذا التفكير الاقصائي والغير انساني ؟ ، إى جانب ما يعيشه مشرقنا من الأفعال الدامية التي حصدت أرواح كثيرة للاسف ، أثرت أيضاً على طبيعة ومستوى تعليم وتثقيف الشباب الصاعد ، ان هذا الاسلوب غير الصحيح في استقطاب وتجنيد الشباب ، ينطلق في فكر القائمين عليه للأسف تحت اسم الدين والايمان عندهم بأن القتل وسرقة الاخر المختلف هو من الله .
وللاسف لهذا السبب فإن بعض المجتمعات في الشرق الاوسط وخصوصاً من خلال وجود شيوخ الدواعش الذين فككوا المجتمعات وقضوا على مناخ وحق التعليم المتقدم الديمقراطي الانساني، فقد خلقوا عملياً جيلاً جديداً قد تعلم من الصغر على مبادىء مغايرة لكل المبادىء الدينية المختلفة، مستخدمين الله كذريعة لقتل وسلب الكفار الاخرين والقول بأن من الحلال قتلهم وبكل أسف ، وفي هذه الفترة التي تشهد حروب وأزمات فقد تمّ تراجع واضح في مستوى الانسان العربي وغياب لمبادىء وتراث وعادات الاجداد والاهل التي كان العرب مشهورين فيها ، مثل الكرم واحترام الضيف واحترام الاكبر منك سناً بما في ذلك احترام الوالدين ، وللاسف كل هذه المبادىء القديمة الاصيلة القيمة تحت عنوان كبير معبر هو الكرم الحاتمي ، فقد تلاشت واندثرت في ظل ما نشاهده من التطرف الاعمى ، الذي منع بعض فئات المجتمع من الحق في التقدم اجتماعياً وانسانياً ، وكذلك الحال روحياً ، بدلاً من أن يقتربوا من مبادىء الله الاصيلة ووصايا الله الواضحة والمعروفة والمشتركة بين جميع الاديان ، كل هذه التطورات أثرت على مستوى الفرد وساهمت في تدني التعليم وبالاخص في المناطق المشتعلة حيث الصراعات العرقية والحروب وتحديداً التي تمر بها المنطقة الان .
هذه التعاليم التي ظهرت في مجتمعاتنا اثرت على مستوى التعليم بالنسبة للفرد ، فقد أصبح غير مرتبط مع العالم المتقدم، ويعيش في قوقعته وضمن دائرته المغلقة ، وبشكل يتدهور معه مستوى العقل والتعليم ، وبصورة نلاحظ معها انه اصبح هناك شرخاً في المجتمع العربي بين هذه الفئة المغلقة في تفكيرها وذهنيتها وبين الفئات المتعلمة ، والتي لها مبادىء تقوم على تعاليم الدين السمح وقيم المحبة ، وفي وقت تعاني فيه اليوم المجتمعات من انقسام حاد في المستوى التعليمي ، وللاسف مع وقت أتضح فيه أن عدد غير المتعلمين يفوق عدد المثقفين والمتعلمين الذين أيضا لهم مبادىء دينية صحيحة وليست محرفة لاغراض عسكرية ، لعبت دوراً واضحاً في تدمير المجتمعات وساهمت في تخلفهم ورجوعهم للوراء .
ان الديمقراطية تبدأ من روح الشخص والانسان أولاً ، فاذا كانت الروح صالحة وتتبع التعاليم والقيم الدينية الصحيحة لكل الاديان السماوية، فانه ومن هنا تبدأ عندها الديمقراطية ، والديمقراطية تبدأ ايضاً من سلوك الفرد في المجتمع ثم علاقته مع الاخرين ثم علاقته مع وطنه ، حيث ينتشر في المجتمعات الديمقراطية مبدأ بناء الدولة وبسواعد شعبها وبالطبع المتعلمين منهم ، الذين يحترم واحدهم الانسان والحيوان وكل مخلوقات الله على هذه الارض ، ويشتغل على نفسه ليصبح عضواً فعّالاً في رفعة مجتمعه و وطنه ، والديمقراطية هي أيضاً الحفاظ على الوطن وعدم استغلال الظروف والاوضاع للفساد على حساب الشعب والوطن ورفعته وازدهاره ، والديمقراطية في المحصلة تبدأ من الفرد ثم تؤثر على المجتمع وبالاخص ما يتصل بجانب المساواة في المعاملة بين أفراد المجتمع نفسه ، حيث يكون الفرد متعلماً يحترم حدوده مع الاخرين وتحديداً المختلفين معه في العقيدة والعرق واللغة ، هذه هي الديمقراطية الصحيحة والتي سينتج عنها بكل تأكيد مجتمع متكامل متعلم وفعال ، يساهم في رفعة وطنه وفي كل المجالات على الدوام ، ليصبح وطنه وبلده من فئة الدول المتقدمة عالمياً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وديمقراطياً، فهل وصلنا نحن في الشرق الأوسط العربي لهذا المستوى من الديمقراطية ؟.
وافتخر في بلدي الاردن بقيادة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين وسمو ولي عهده الأمير الحسين بن عبد الله الثاني وملكتنا الغالية صاحبة الجلالة الملكة رانيا العبد الله على جهودهم السامية ، فمساهمات جلالة الملك واضحة للجميع ومن ذلك رسالة عمان السمحة التي تنبذ التطرف وتسعى لقبول الآخر ونشر رسالة السلام ، وجهود جلالة الملكة أيضاً بارزة في المشاريع المختلفة في التعليم ودعم المرأة لضمان تقدمها وتمكينها اجتماعيا واقتصاديا ، وكذلك جهود صاحب السمو الملكي ولي العهد في دعم الشباب الاردني ورفعتهم .
ونحن في الاردن نسير بكل عزم ونمضي متقدمين خطوة بخطوة على مسار ونهج الديمقراطية ، لتصبح مملكتنا الغالية منارة الديمقراطية في الشرق العربي باذن الله ، وتمضي بكل فعالية وعزم لتبلغ مستوى الديمقراطيات العالمية .