عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

وجعلنا بينكم مودة ورحمة

بقلم: نادية إبراهيم نوري

عند وصولنا إلى واحة سيوة فجرًا، كانت بانتظارنا وسيلة نقل حسب الاتفاق لتقلّنا إلى الفندق. لفت انتباهي أن جميع الركاب الذين كانوا معنا في الرحلة وجدوا من يستقبلهم، باستثناء رجل مسنّ منحني الظهر وزوجته، ويبدو من مظهرهما أنهما بسطاء الحال، ولم تكن هناك أي مواصلات في ذلك الوقت إذ لم تكن الشمس قد أشرقت بعد.

دعوناهم لمرافقتنا في السيارة من باب الإنسانية. وما إن جلسا معنا حتى أخبرانا أنهما سيتوجهان إلى الفندق نفسه الذي حجزنا فيه. طوال الطريق لاحظت كيف كان الرجل يفيض احترامًا ومودةً لزوجته، وهي تقاربه في العمر.

وعند وصولنا إلى الفندق، دخل الزوجان معنا. تبادلت وابنتي النظرات باستغراب، فالفندق كان من فئة مرتفعة السعر، ولا يوحي مظهرهما بأنهما قادران على تحمل نفقاته. لكن المفاجأة كانت حين قال الرجل المسن بكل هدوء: «إن أعجب زوجتي الفندق فلا أمانع أن نحجز فيه، فالمهم عندي راحتها، وسعادتها هي أولويتي».

وفعلًا، حجز الغرفة، وأقاما معنا ثلاثة أيام، عاشا خلالها كأنهما في شهر عسل جديد؛ يتناولان الفطور معًا، يتمشيان معًا، يتسامران معًا، وكأنهما يعيشان قصة حب لا نهاية لها.

في المقابل، كان الفندق يعج بالزوار، معظمهم إما مجموعات نسائية في رحلات علاجية أو رجال جاؤوا للغرض نفسه، لكن لم تكن هناك أسر، باستثناء ذلك الزوج المسن وزوجته، وأنا وأسرتي.

هنا تذكرت قول الله تعالى في الآية 21 من سورة الروم:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

سبحان الله العظيم… لقد جعل الزواج سكنًا، وأساس العلاقة الزوجية المودة والرحمة. ولنا في رسول الله ﷺ القدوة الحسنة؛ فقد كان ينادي زوجته بعائشة أو بالحميراء تدليلًا وغزلًا، ولم يخجل يومًا أن يصرّح بحبه لها. وكان إذا انفرط عقدها قضى الليل يجمع حباته، وإذا أرادت ركوب الناقة ثنى ركبته الشريفة لتصعد عليها.

كان ﷺ لا يعنّف نساءه ولا يضربهن، بل شبّههن بالقوارير وقال: «رفقًا بالقوارير». وأوصى: «استوصوا بالنساء خيرًا». وكان يسابق زوجته ويمازحها، فإذا غلبته قال لها: «هذه بتلك». لم تأخذه العزة برجولته ليظن أن عليه أن يسبق دائمًا. كان مرحًا في بيته، رحيمًا بأهله وخدمه، لا يعنّف ولا يلوم.

أما بعض رجال اليوم، فلم يحفظوا من القرآن إلا قوله تعالى: «مَثنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ» و «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ» دون أن يدركوا أن القِوامة تعني الرعاية لا السيطرة، وأن ضرب الزوجة ليس حقًا لهم. فكثر الطلاق، وانتشر الصمت الزوجي والهجر، وامتلأت الأسر بالعلاقات المسمومة التي انعكست سلبًا على الأبناء وسلوكهم.

ياليتنا نفقه الدين الحق، وندرس السيرة النبوية بعمق، لنقيم بيوتًا يسودها الحب والمودة والرحمة