عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

الاحتيال في البورصة (الشركات): دراسة قانونية تحليلية معمقة

الاحتيال في البورصة (الشركات): دراسة قانونية تحليلية معمقة
المحامي الدكتور بكر محمود السويلميين 
وكالة الناس – تُعدّ البورصة من الركائز الأساسية للاقتصاد المعاصر، إذ تُشكل منصة حيوية لتلاقي رؤوس الأموال مع المشاريع الاقتصادية، بما يُسهم في تمويل النشاطات التجارية والصناعية، وتحفيز النمو والاستقرار المالي. ومع اتساع نطاق الأسواق المالية وتطور أدواتها، ظهرت تحديات قانونية واقتصادية متزايدة، في مقدمتها ظاهرة الاحتيال المالي في البورصة، التي تمثل تهديدًا مباشرًا لشفافية المعاملات، ومصداقية المنظومة الاستثمارية، وتُفضي إلى إضعاف الثقة العامة في المؤسسات المالية.
وتتطلب مواجهة هذه الظاهرة المتنامية فهمًا دقيقًا لأشكال الاحتيال وأساليبه المتعددة، بالإضافة إلى تحليل الإطار التشريعي الناظم للأنشطة المالية، ودور الجهات الرقابية في مكافحته، بما يحقق حماية فعّالة للمستثمرين، ويحافظ على استقرار السوق.
أبرز أشكال الاحتيال في البورصة
من أبرز صور الاحتيال المالي التي تمارس في الأسواق المالية:
1.التداول بناءً على معلومات داخلية (Insider Trading): استغلال المعلومات غير المتاحة للجمهور لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
2.نشر معلومات مضللة (Misleading Information): إصدار بيانات مالية أو إعلامية مغلوطة للتأثير على قرارات المستثمرين.
3.الاحتيال في الطرح العام الأولي (IPO Fraud): تقديم بيانات كاذبة أو مضللة في مرحلة الاكتتاب العام بهدف جذب المستثمرين.
4.الاحتيال المؤسسي (Corporate Fraud): وهو موضوع هذه الدراسة، حيث تمارس الشركات أنماطًا احتيالية ممنهجة تُمثل انتهاكًا صريحًا للقوانين والتشريعات الناظمة لعمل الأسواق المالية.
الاحتيال المؤسسي في البورصة: دراسة حالة
تتجلى صورة الاحتيال المؤسسي في البورصة من خلال قيام بعض الشركات بتقديم نفسها على نحو يوحي بالشرعية القانونية والامتثال التنظيمي، إذ تزعم امتلاكها لتراخيص رسمية من الجهات الرقابية – كهيئة الأوراق المالية الأردنية (ISC) – وتؤكد خضوعها للقوانين الناظمة لعمل شركات الوساطة المالية التي تتعامل مع البورصات الأجنبية.
في بداية العلاقة التعاقدية، تظهر هذه الشركات التزامًا ظاهريًا بالضوابط القانونية والفنية، مما يدفع العملاء إلى إيداع مبالغ كبيرة بناءً على الثقة في مشروعية تعاملاتها. ويتم تنفيذ التداولات عبر منصات إلكترونية تتيح للشركة تحكمًا كاملاً في جميع الإعدادات، مثل:
•تحديد المشتقات المسموح التداول بها.
•ضبط الرافعة المالية والفروقات السعرية.
•فتح وغلق الصفقات، أو التحكم في إعادة تفعيلها.
•إدارة عمليات السحب والإيداع والتسهيلات الائتمانية.
منح تسهيلات ائتمانية غير مشروعة
تقوم الشركة بمنح العملاء تسهيلات ائتمانية تتجاوز رأس مالهم الحقيقي، دون اتفاق صريح أو ضمانات كافية، مما يؤدي إلى تضخم حجم التداولات وتعرض العميل لخسائر ضخمة قد تؤدي إلى التصفية الجبرية للحسابات.
الإخلال التنظيمي والتقني
يتضح لاحقًا أن هذه الممارسات لم تكن قانونية، بل انطوت على:
•تجاوز الحد التنظيمي للرافعة المالية: حيث تُمنح للعميل روافع مالية قد تصل إلى (1:500) أو أكثر، بينما الحد القانوني وفق تعليمات هيئة الأوراق المالية الأردنية هو (1:30)، ما يُعد خرقًا جسيمًا لمبدأ الملاءمة.
•عدم الإفصاح عن مخاطر الرافعة المالية، أو تعديلها أثناء التداول دون علم العميل.
•التعامل مع منصات غير مرخصة أو ذات ترخيص شكلي، تحمل أسماء مشابهة للمنصات العالمية الموثوقة، لكنها لا تخضع لرقابة حقيقية.
•التلاعب الفني: باستخدام إضافات تقنية (Plugins) تسمح بالتأخير المتعمد في تنفيذ الأوامر، أو التلاعب بالسعر لحظة التنفيذ.
•عدم ترحيل الأوامر إلى مزود خارجي مرخص، بل تنفيذها داخليًا عبر كيان غير مرخص، مما يُفقدها الصفة النظامية.
•فرض عمولات خفية وغير معلن عنها على تداول العقود الآجلة، دون تضمينها في العقود أو كشوف الرسوم.
كل ما سبق يُشكل نمطًا من التحايل التنظيمي (Regulatory Arbitrage)، الذي يقوم على التلاعب بالفجوات التشريعية والرقابية، ما يؤدي إلى تضليل المستثمرين، وإلحاق خسائر فادحة بهم، دون أن يكون لهم غطاء قانوني أو حماية تنظيمية فعالة.
الإطار القانوني لمكافحة الاحتيال المالي
تخضع أسواق الأوراق المالية لرقابة صارمة من قِبل الهيئات التنظيمية الوطنية، مثل هيئة الأوراق المالية في الأردن، إضافة إلى القوانين الدولية المنظمة لعمل البورصات وشركات الوساطة. وتُعاقب القوانين الأفعال الاحتيالية بما يلي:
•العقوبات الجنائية: كالحبس والغرامات.
•العقوبات المدنية: كالتعويض، والحجز على الأصول، وإلغاء التراخيص.
•الجزاءات الإدارية: كالإيقاف عن العمل، أو سحب الترخيص، أو فرض غرامات تنظيمية.
ويُعتبر الإخلال بقواعد الشفافية، والتلاعب في المعلومات أو الأسعار، وانتهاك متطلبات الإفصاح، من الأفعال التي تستوجب المساءلة القانونية، سواء بموجب قانون الأوراق المالية أو القوانين الخاصة بتنظيم التعامل في البورصات الأجنبية.
الوقاية من الاحتيال في البورصة: توصيات عملية
للحد من احتمالية التعرض للاحتيال في البورصة، يجب اتباع الخطوات التالية:
•التثقيف المالي المستمر عبر دورات وورش عمل موثوقة.
•الاعتماد على المعلومات الرسمية من الجهات الرقابية والتقارير المالية المعتمدة.
•التعامل فقط مع الشركات والوسطاء المرخصين والمعتمدين.
•مراقبة الأنشطة المالية باستخدام أدوات التحليل الفني والأساسي.
•الاستشارة القانونية والمالية عند الحاجة قبل اتخاذ أي قرار استثماري.
•الحذر من الوعود بعوائد مرتفعة وسريعة دون أساس منطقي أو قانوني.
خاتمة
إن الاحتيال المؤسسي في البورصة يُعد من أخطر التحديات التي تواجه بيئة الاستثمار الحديثة، لما له من آثار مدمرة على الثقة العامة والأسواق المالية. ويستلزم التصدي له تضافر الجهود القانونية والتنظيمية، من خلال سنّ تشريعات فعالة، وتفعيل الرقابة، ونشر الوعي المالي والقانوني بين المستثمرين. كما يقع على عاتق المستثمر مسؤولية كبيرة في التأكد من مشروعية الجهات التي يتعامل معها، وعدم الانجراف خلف العروض الوهمية التي قد تُخفي وراءها ممارسات احتيالية ممنهجة.