المقاطعة الاقتصادية: سلاح الشعوب في زمن العجز
بقلم: د. نوال محمد نصير
في خضم ما يشهده العالم من صراعات دامية وظلمٍ صارخ يتعرض له الأبرياء، خاصة في فلسطين المحتلة، تتجلى في أيدي الشعوب أداة ناعمة لكنها فعالة، هي المقاطعة الاقتصادية. إنها ليست مجرد رد فعل عاطفي أو تصرف فردي عابر، بل موقف واعٍ يُعبّر عن رفض الظلم ورفض دعم من يموّله أو يبرره.
المقاطعة الاقتصادية وسيلة ناعمة تتسم بالرقي والتحضّر، لكنها تحمل في طياتها تأثيرًا بالغًا. حين يتوقف ملايين الناس عن شراء منتج معين، فإن ذلك يوجه رسالة واضحة لا لبس فيها: “نرفض أن نكون شركاء في دعم من يقتل، ويشرد، وينتهك الحقوق”.
وقد أثبتت التجارب أن المقاطعة الجماعية تستطيع أن تؤثر في اقتصاديات الدول والشركات الكبرى، خاصة إذا كانت هذه الشركات ذات ارتباط مباشر أو غير مباشر بتمويل أو دعم سياسات عنصرية أو عدوانية.
في ظل انتشار دعوات المقاطعة، طُرحت الكثير من الأسئلة حول ما يجب أو لا يجب مقاطعته، ومن ذلك السؤال المتكرر: “هل يجب مقاطعة الذهب؟” وقد انتشرت إشاعة بأن تجارة الذهب تسيطر عليها عائلة يهودية، ولذلك يجب التوقف عن شرائه.
ولكن عند فحص هذا الادعاء نجد أنه لا يستند إلى مصادر موثوقة، وليس هناك دليل واضح على أن شراء الذهب يدعم كيانًا بعينه أو يموّل اعتداءً ما. الذهب سلعة عالمية، تدخل في احتياطات البنوك المركزية، والاستثمار، والمصاغ، وليس من الحكمة نشر إشاعات دون توثيق، فهذا يُضعف مصداقية حملات المقاطعة، ويشوّه هدفها الأساسي.
القوة الحقيقية للمقاطعة لا تأتي من كثرة المنتجات المدرجة، بل من دقتها ووعي الناس بها. عندما نوجه مقاطعتنا نحو شركات معلومة، داعمة بشكل مباشر لكيانات ظالمة، ونرفق دعوتنا بالأدلة والتوعية، فإننا نكسب الرأي العام، ونُحرج تلك الجهات أمام العالم.
ومن هنا، فإن المقاطعة لا تعني فقط الامتناع عن الشراء، بل تعني كذلك نشر الوعي، وفضح من يستحق، ودعم البدائل المحلية والوطنية.
ربما لا تغير المقاطعة وحدها الموازين، لكنها تُحدث فرقًا، وتدفع الآخرين إلى التحرك، وتُذكر الضمير العالمي بقضايانا. وفي وقتٍ يعجز فيه السلاح عن رد العدوان، قد يكون “الامتناع عن الشراء” أقوى من آلاف الكلمات.