العقبة الاقتصادية الخاصة: مرحلة جديدة بقيادة شادي المجالي
كتب . مأمون الخوالدة
في ظل التحولات الاقتصادية المتسارعة إقليميًا وعالميًا، تكثف المملكة الأردنية الهاشمية جهودها لإعادة هيكلة بيئتها الاستثمارية من خلال سياسات مرنة وأدوات متجددة تستوعب متطلبات المرحلة، وتستقطب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية. وفي هذا الإطار، جاءت الحوافز الاقتصادية الجديدة المقرّة لمنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة كمبادرة استراتيجية تعبّر عن تطور نوعي في التفكير الاقتصادي، وتقدم نموذجًا تنمويًا أكثر شمولًا وعدالة.
منذ إعلان العقبة منطقة اقتصادية خاصة عام 2001، شكّلت المدينة نموذجًا متميزًا في التنمية المستدامة على مستوى المملكة بفضل موقعها الاستراتيجي على البحر الأحمر وبنيتها التحتية المتطورة وتشريعاتها الاستثمارية المرنة. وقد نجحت خلال العقدين الماضيين في جذب استثمارات نوعية في مجالات السياحة والنقل والصناعة والخدمات اللوجستية، لكن المستجدات العالمية، خاصة بعد جائحة كورونا، فرضت إعادة تقييم جدية للحوافز القائمة ودفعت نحو تطويرها بما يتماشى مع بيئة اقتصادية باتت أكثر تعقيدًا وتنافسية.
الحوافز الجديدة تمثل نقلة تطويرية حقيقية تتجاوز الإعفاءات التقليدية إذ لم تعد محصورة بالمستثمرين الأجانب أو الشركات الكبرى، بل امتدت لتشمل رواد الأعمال المحليين، خصوصًا في قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة. هذه المقاربة الجديدة تهدف إلى إشراك المواطن الأردني في العملية الاقتصادية ليس كمستفيد سلبي، بل كشريك فاعل ومساهم في خلق فرص العمل وتحريك عجلة النمو. يشمل المحتوى الجديد للحوافز إعفاءات جمركية وضريبية على مدخلات الإنتاج وتسهيلًا ملحوظًا في إجراءات تسجيل وترخيص الشركات إضافة إلى تقديم دعم واضح للمشاريع التي تُعنى بالطاقة المتجددة والتكنولوجيا والقطاعات التي توفر فرص عمل مستدامة داخل المنطقة، وهذا يعكس فهمًا دقيقًا لاحتياجات السوق المعاصر ويوفر بيئة استثمارية أكثر جذبًا وتنافسية.
في القطاع العقاري تم تقديم تسهيلات نوعية داخل المجمعات السكنية المسوّرة في العقبة من بينها الامتيازات المرتبطة بشراء وحدات سكنية ذات قيمة مرتفعة والتي تتيح للمستثمرين تسهيلات جمركية مؤقتة على المركبات إلى جانب تسهيلات إقامة وإعفاءات عند إدخال الأثاث والقوارب الشخصية لأغراض غير تجارية. تسهم هذه الإجراءات في تحفيز القطاع العقاري والسياحي كما تعزز الاستقرار للمستثمرين المقيمين.
لا تقتصر أهمية هذه الحوافز على أبعادها الاقتصادية المباشرة بل تتجلى كذلك في تعزيز مبدأ اللامركزية التنموية من خلال توجيه الاستثمارات إلى مناطق خارج العاصمة وإعادة توزيع الفرص الاقتصادية على نطاق جغرافي أوسع، وهو ما يعكس تحولًا استراتيجيًا في الرؤية الحكومية نحو تنمية متوازنة وعادلة تشمل جميع المحافظات.
ومن أبرز الإضافات النوعية في هذا الحراك التنموي التوجه نحو إدماج البعد العلمي والبيئي في منظومة التنمية، حيث وافق مجلس الوزراء على إقامة سلسلة من المشاريع البحثية في المنطقة الجنوبية من العقبة بالشراكة مع محطة العلوم البحرية وبدعم من شركة تطوير العقبة وتشمل هذه المشاريع استزراع المرجان باستخدام أحدث التقنيات وإنشاء مختبرات لدراسة الأحياء البحرية، ما يفتح المجال أمام العقبة لتكون مركزًا إقليميًا للبحث والتعليم البيئي ويضيف بُعدًا علميًا واستراتيجيًا جديدًا للتنمية المستدامة.
لكن هذه الخطط الطموحة لا تقف وحدها، بل تتطلب قيادة فعالة قادرة على تحويل الرؤية إلى واقع وهنا يبرز الدور المحوري المنتظر من رئيس مجلس مفوضي سلطة العقبة الاقتصادية الخاصة شادي المجالي الذي يدخل هذا المنصب في مرحلة دقيقة يتقاطع فيها طموح الدولة مع حاجات الاستثمار والمجتمع المحلي. المجالي ليس غريبًا عن المشهد الإداري والاقتصادي، فقد أدار في السابق مؤسسات حكومية وخاصة وكان دائمًا حاضرًا في الصفوف الأولى من حيث الكفاءة والإنجاز، واليوم يُنتظر منه أن يقود تحولًا نوعيًا في تجربة العقبة التنموية.
ما يُنتظر من المجالي لا يقتصر على حسن تنفيذ الحوافز بل يشمل بناء منظومة متكاملة تجعل من العقبة نموذجًا للتكامل الاقتصادي بين القطاعات الصناعية والسياحية والخدمية والبحثية، كما يتوجب عليه قيادة عملية إصلاح مؤسسي داخل السلطة تُعزز من سرعة الإنجاز وجودة الخدمة، وتُسهّل على المستثمر والمواطن الوصول إلى ما يحتاجه دون تعقيد. كذلك، فإن ترويج العقبة استثماريًا على المستويين الإقليمي والدولي بحاجة إلى سردية تسويقية جديدة تستند إلى ميزات المنطقة وتخاطب المستثمر بلغته، إضافة إلى تبني التحول الرقمي كخيار استراتيجي لا كأداة تقنية فقط.
المجالي أيضًا مطالب ببناء شراكة حقيقية مع المجتمع المحلي من خلال إطلاق مبادرات تشغيل وتدريب وتمويل لمشاريع ريادية تُمكّن أبناء العقبة من أن يكونوا جزءًا من مسيرة النمو، فضلًا عن الالتزام بحماية البيئة البحرية التي تُعد من أهم أصول المنطقة الطبيعية والاستثمارية. إن هذا التوازن بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية سيمنح العقبة ميزة تنافسية إضافية في المستقبل القريب.
الحوافز الأخيرة ليست مجرد إجراءات اقتصادية بل تعبير عن إرادة سياسية واضحة ترى في المناطق التنموية ركيزة أساسية لبناء مستقبل اقتصادي أكثر شمولًا وعدالة، وإذا ما أُحسن تنفيذها بقيادة مؤسسية محترفة ورؤية متماسكة، فإن العقبة ستكون على طريق التحول إلى مركز استثماري متكامل يجمع بين الإنتاج والسياحة والعقارات والبحث العلمي في مزيج متوازن يخدم الاقتصاد الوطني ويعزز موقع الأردن على خارطة الاستثمار الإقليمي والعالمي .