0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

الترند الزائف: حين تُباع الأخلاق من أجل الإعجابات

 كتب . مامون الخوالدة

في زمن يتسابق فيه الجميع لتحقيق الشهرة السريعة والتأثير الظاهر، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للعديد من الأفراد، خاصة النساء، للظهور وتسجيل أسمائهن في عالم “الترند” وجمع الإعجابات والمال الزائف. هذا السعي المستمر وراء التميز ليس في القدرة الفكرية أو الإبداع، بل في الاستعراض الجسدي، قد أضاع الكثير من القيم الإنسانية وجر المجتمعات نحو الانحلال الأخلاقي.

لقد تحول المظهر الخارجي إلى المعيار الوحيد لقياس القيمة الإنسانية في بعض المجتمعات. تجد البعض يُحكم عليه من خلال ما يرتديه، أو عدد الإعجابات التي يحصل عليها على صورته أو مقطع الفيديو الذي يشاركه. ولعل الفئة التي تروج لهذه المظاهر هي من تدعي أن الحياة قد تكون أسهل وأكثر نجاحًا بوجود الشهرة السطحية والمال المزيف الذي يجلبه الاستعراض. وأصبحت سمة الشهرة على الإنترنت مرتبطة أكثر بالمظهر الجسدي والشخصيات الخفيفة، في حين أن القيم الإنسانية والقدرات الفكرية تتراجع إلى الخلف.

في هذا السياق، تبرز بعض العبارات التي تحمل في طياتها حكمة قد نحتاجها بشدة: “لا تجعل ثيابك أغلى شيء فيك، حتى لا تجد نفسك يومًا أرخص مما ترتدي”. هذه الكلمات تسلط الضوء على مفارقة غريبة؛ كيف أصبحنا نربط قيمتنا بالماركات والتفاصيل الصغيرة التي تميز مظهرنا فقط، متجاهلين ما يحمل شخصنا من قيم ومبادئ وأفكار.

الحديث عن “الترند الزائف” يكشف عن أزمة ثقافية عميقة، حيث باتت العديد من النساء يسعين وراء الشهرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتقديم أجسادهن كمصدر جذب، متناسيات أن القيم الإنسانية التي تهم المجتمع هي الأخلاق، الفكر، والمبادئ. في مقابل ذلك، نجد أن “الاستعراض الجسدي” أصبح تجارة رابحة، لدرجة أن البعض يضطر للظهور بصورة مغرية أو مثيرة للجدل ليحصل على الانتباه، ويجمع المال الزائف من “الإعجابات” والتعليقات.

إن السعي نحو التميز ليس خطأ في ذاته، لكن الخطأ يكمن في أن يتحول هذا السعي إلى هوس يطغى على أولوياتنا الأساسية. من العناية بالعائلة وتوفير احتياجاتها، إلى الاهتمام بالنمو الفكري والأخلاقي، نحن نتنازل عن القيم الجوهرية لنلاحق شيئًا عابرًا ومؤقتًا في العالم الافتراضي. من المؤسف أن يتأثر البعض لدرجة أن ينفقوا الأموال في شراء ماركات باهظة لمجرد أن يتماشى مع الصورة الاجتماعية التي يرغبون في تقديمها، رغم أنهم قد لا يملكون القدرة المعيشية لذلك.

من جهة أخرى، لابد من إعادة الاعتبار للقيم الإنسانية الحقيقية التي تشكل أساس المجتمعات الصلبة والمتوازنة. علينا أن نعلم أبناءنا أن الإنسان لا يُقاس بثيابه أو مظهره الخارجي، بل بأخلاقه، فكره، وإسهاماته في المجتمع. يجب أن نُرسّخ في عقولهم أن التميز الحقيقي ليس في جمع الإعجابات، بل في العطاء للأسرة، وتحقيق الاستقرار المادي والعاطفي بعيدًا عن ضغوط “المجتمع الافتراضي”.

إن ارتداء ملابس بسيطة، والعيش في حدود المعقول، هو في الواقع تعبير عن وعي ومسؤولية أكبر من مجرد الظهور بمظهر يتماشى مع التوجهات السائدة. الفقر الحقيقي لا يكمن في الجيب، بل في العقل الذي يربط كرامته بعلامة تجارية أو سلعة استهلاكية.

في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل نعيش لنبهر الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أم نعيش لإرضاء ضمائرنا ونؤدي واجباتنا الحقيقية؟ إن ملابسنا قد تكون وسيلة للستر، لكنها ليست مقياسًا لقيمتنا الإنسانية. فالقيمة الحقيقية لا تُخاط بخيط، بل تُنسج بالمواقف والأفعال. لنتوقف عن تقديس المظاهر، ولنعيد الاعتبار للجوهر الذي يجعل الإنسان إنسانًا.