“ليت ابي يعود يوماً”
د.ناديا الذياب/ جامعة اليرموك
الأب هو الجدار المتين الثابت الذي نستند إليه كلما عصف بنا الدهر، هو الدرع الواقي الذي يحمينا من كل مخاطر الحياة، هو القوة والعطاء والثقة والعزيمة، مسكين من كانت أنفاس أبيه يوماً حيةً قويةً يشتد بها الأزر، وتنتصب بها المعنويات والآمال والقامات والطموحات، ولم يعرف قيمتها. ومُعدم من مضى من عمره ولو يوم، ولم يطبع على جباه والديه الطاهرة مئات القبلات عند لقائهما، أو قابل والديه ،ولم تنحني هامته احتراماً وطاعةً لهذا الصرح العملاق المقدس الذي أهداه الله إليكم أيها الأبناء.. محروم من تفوه بكلمةٍ جارحة لم يلقٍ لها بالاً، فخدشت قلوب الأباء بحرقة وألم.
محروم أيضاً من لم يكن باراً بوالديه الذين مضت أيامهم وأنقضى نحبهم دون أن يكون باراً بهم،، ولن يفيهم ولو بالجزء البسيط من حقهم لو لازمهم عمراً بأكمله بالخدمة والطاعة. سيدرك الأبناء يوماً أن الأب سياج حمى لن يكرره الزمن، ولن يتكرر مطلقاً في اي كان من البشر جميعاً. الأب هو منحة القدر، والحصن الحصين الذي يلف الأبناء من كل جانب، ليذود عنهم ويحميهم من أدنى سوء وأذى.
سيدركون الأبناء يوماً، أن القلب الصادق الذي يهب العطاء الفياض دون منة وتفضل هو قلب الوالد، فهو الوحيد الذي يتمنى لو أن الأعمار والصحة والمناصب والأرزاق والسعادة وراحة البال تُعطى وتوهب، إذن لانتزعها من نفسه بكل سرور وقدمها لأبنائه. فكل مايتمناه الوالد هو أن يكون أبناؤه بأفضل حال.
لكل ابن مقصر بحق والديه أقول:
اهرع إلى بر من كان رضا الله يجري على يديه. فالعمر رحلة قصيرة عابرة، ولا أحد يعلم متى ستحين ساعة الإقلاع.
تزود بتفوى الله ودعوة لا تُرد تجري على لسان والدك، وتوسل إليه بأن يسامحك ويصفح عنك.
عجّل ثم عجّل لكي تسلك طريقاً للجنة تلتمس به رضا الله بنيل رضا والديك.
ليت الأبناء يعلمون:
أن هذا الأب الصامد الذي تراه قلعةً قائمة بشموخ وعظمة وإباء، هو بحاجة عظيمة أحياناً لكلمةٍ طيبة منك أيها الإبن، وابتسامة رقيقة ترتسم على وجهك حينما تلتقي به.
هو بحاجة لسؤال طيب منك عن حاله وأحواله.
هو بحاجة للمسة محبة من يديك الرقيقتين لتشحذ بها همته، وتدفعه للاستمرار بسلام في أزقة الحياة ومتاعبها. ليت الأبناء يعلمون أن هذا النبع الفياض من العطاء هو بحاجة لحنوهم وعطفهم، لكي يواصل تدفقه وجريانه بسهولة ويسر.
ليتهم يعلمون أنه كما يحتاجون هم لدعم أبيهم ومساندته، يحتاج هو ايضاً لدعمهم عاطفياً ونفسياً، ولشعور نبيل جميل منهم ليساعده على المضي بفخر وعزة أمام نفسه والآخرين.
ليت الأبناء يعلمون أن الأباء يحملون في دواخلهم قلوباً كأفئدة الطير، رقيقة مرهفة، تسعد بمنطوق طيب من الأبناء، وتتلهف لشوقهم، ومكالمتهم، ورسائلهم كما يتلهف العاشق لمحبوبه.
وأخيراَ أقول: أيها الأبناء، عاملوا آبائكم كما لو كنتم أنتم آباؤهم. اللهم ألقِ محبة الآباء وعطفهم واهتمامهم في قلوب الأبناء، وحننهم واشفقهم عليهم يا كريم يا حنان.