عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

د. ناديا الذياب تكتب ..على شرفة الذكريات

كتب. د. ناديا الذياب

كاللؤلؤ تتناثر قطرات المطر، كسيمفونية عذبة لا تشبهها موسيقى أبداَ، هي الأجمل، كيف لا وقد امتزجت بعطر الرحمات والبركات الإلهية،؟ لم أكن أنا فقط المستمتع بذلك المنظر الساحر، بل الشجر والتراب والفضاء والزهر، حتى القمر ، طل وابتسم من بين ثنايا الغيمات ليُهدي كل غيمة قلادةً من نور تتقلد بها بفخر وعز، ثم تلفظ قطرات بدت كخيوط ذهبية ندية متدفقة بسخاء نحو الأرض، فتطرب المسامع وتسر النظر، وتنعش الوجدان والروح. فجأة وجدت نفسي بين يدي المشهد مستسلمة برغبة ومحبة وشغف وحنين وكأنما أُسري بي إلى زمن الماضي الجميل، زمن الطفولة، وكأنني أعيش الماضي الآن بنشوة عارمة، هاأنا أستيقظ مبكراً على صوت قطرات المطر والبرَد التي تدق الأبواب والشبابيك، لأنهض مسرعةً نحو الخارج، ولساني كلسان عابد يطوف حول الكعبة ، لا يتوقف عن تكرار الثناء لله والرجاء: يارب تثلج، يارب تثلج،… وهاهم صغار الحي يعيشون شعوري، مجتمعين جمعياً، كفرقة عسكرية قد أُمِرت بالحضور والاصطفاف، وصراخات الأمهات والآباء تتهافت من الشبابيك: “تعالوا فوتوا من البرد”، لم تكن تعلم أمهاتنا بأن أجسادنا لم تكن تشعر بالبرد قط، لم تكن تعلم بأن الغبطة والفرحة التي كنا نعيشها كانت كفراء تدفينا، وكأنما أحيط بكل واحد منا تدفئة من كل جانب. كنا نهرع جميعاً، ويحمل كل واحد منا عصا وقد وضع عليها خرقة ، ومن لم يجد كان يخلع ما يلبس ويضعه على العصا. ونمشي وضحكاتنا تعانق قطرات المطر، بفرحة تصل إلى عنان السماء ونهتف بصوت واحد :
يالله الغيث الغيثتين،
مد، القمح بليرتين
ياربي تعبي الشرشوح
واحنا بعدك وين نروح
قوم اسقينا يا احمد،
لو ابو احمد ما اجينا. كنا نعتقد بأن هذه التراتنيم ستزيد من غزارة المطر، وقد تكون كذلك. واذا ما سقطت حبات البرد على الأرض، كنا نتزاحم لجمعها ونلتهمها بشغف وكانها المن والسلوى.
وكم كانت سعادتنا عظيمة، حينما نعود للبيت وثيابنا تعتصر ماءً، وأيدينا حمراء متجمدة ترتجف من شدة البرد، ونتباهى ونفتخر من بلل المطر ثيابه أكثر.
رحم الله أياماً، كانت فيها قمة السعادة تلك اللحظات البسيطة، وتلك الضحكات البريئة.
كل مطر وانتم بالف بخير.