غزة بعد 466 يومًا من العدوان حكاية صمود وانتصار الإرادة ..
بعد مرور 466 يومًا على العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، جاءت لحظة وقف إطلاق النار كجرعة أمل لأهل القطاع الذين عانوا ويلات الحرب والدمار، هذا العدوان الذي أرخى بظلاله على كل بيت في غزة، تاركًا خلفه آلاف الشهداء والجرحى والمشردين، شكل واحدًا من أصعب الفصول في تاريخ الشعب الفلسطيني المقاوم، الحرب لم تكن مجرد مواجهة عسكرية بل كانت مأساة إنسانية تجسدت في قصص الألم والحرمان التي عاشتها الأسر الفلسطينية، وامتدت آثارها لتلامس ضمير الإنسانية في كل مكان.
كانت شوارع غزة في كل يوم من أيام الحرب تروي حكايات الحزن والفقد، بيوت مدمرة ومدارس تحولت إلى ملاجئ، ومستشفيات اكتظت بالجرحى وسط نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية. الأطفال الذين كانوا يلعبون على أطلال منازلهم باتوا أيقونات للصمود الفلسطيني، ونساء غزة أثبتن قوة استثنائية في مواجهة المحنة، وهنّ يحاولن الحفاظ على ما تبقى من كرامة العيش وسط الدمار، إن معاناة القطاع لم تقتصر على الجانب الإنساني، بل امتدت لتشمل البنية التحتية التي دُمرت بشكل شبه كامل، ما جعل الحياة اليومية شبه مستحيلة، فالكهرباء كانت تأتي ساعات معدودة في اليوم، والماء الصالح للشرب أصبح عملة نادرة، والاقتصاد انهار تحت وطأة الحصار والقصف المستمر، وهذا الواقع جعل المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية، إلا أن استجابة المجتمع الدولي كانت متواضعة، وفي خضم كل هذا الألم، كانت المقاومة الفلسطينية تقدم أروع نماذج الصمود والتحدي، حيث استمرت في الدفاع عن كرامة شعبها رغم الاختلال الكبير في موازين القوة حيث أطلقت المقاومة رسائل واضحة بأن الحقوق لا يمكن التنازل عنها، وأن النضال الفلسطيني لن يتوقف حتى تحرير الأرض واستعادة الحقوق اليوم، ومع إعلان وقف إطلاق النار، تنفس سكان غزة الصعداء، لكن الفرحة كانت ممزوجة بالخوف والشكوك، الخوف من أن يكون هذا الوقف مجرد هدنة مؤقتة سرعان ما تُخترق، والشكوك في التزام الاحتلال بالاتفاقيات المبرمة، وهذا الخوف له ما يبرره بالنظر إلى التجارب السابقة، حيث اعتاد الاحتلال على نقض العهود ومواصلة انتهاكاته.
وإن المرحلة القادمة تتطلب جهودًا كبيرة لإعادة إعمار غزة واستعادة الحياة إلى طبيعتها، لكن ذلك لن يتحقق دون رفع الحصار الظالم الذي يخنق القطاع منذ سنوات طويلة. الفلسطينيون في غزة لا يحتاجون فقط إلى مساعدات إنسانية مؤقتة، بل يحتاجون إلى حلول جذرية تضمن لهم حياة كريمة وتحميهم من تكرار مآسي الحروب.
حيث إن وقف إطلاق النار يجب أن يكون نقطة انطلاق لعملية سلام حقيقية تضمن حقوق الشعب الفلسطيني وتضع حدًا للعدوان المستمر. هذه الحرب كانت شهادة جديدة على فشل الاحتلال في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، الذي أثبت مرة أخرى أن الصمود والمقاومة هما السبيل الوحيد لتحقيق الحرية و يمكن القول إن غزة التي خرجت من هذه الحرب مثقلة بالجراح لكنها أكثر قوة وصلابة، ستظل رمزًا للصمود الفلسطيني. على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته، فالشعب الفلسطيني يحتاج إلى أكثر من الكلمات والدعوات، يحتاج إلى أفعال حقيقية توقف العدوان وترفع الحصار وتعيد الحق لأصحابه.
استمرارًا في الحديث عن وقف إطلاق النار بعد 466 يومًا من العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، يجب أن نركز على ما تعنيه هذه الخطوة بالنسبة لأهل القطاع وللقضية الفلسطينية ككل. وقف إطلاق النار ليس نهاية للحرب بقدر ما هو بداية لتحديات جديدة، تبدأ بإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية، ولا تنتهي عند تحقيق العدالة ومحاسبة الاحتلال على جرائمه.
الحديث عن إعادة الإعمار يتطلب الوقوف عند العقبات التي تعترض هذه العملية. فبالرغم من الوعود الدولية بتقديم المساعدات، إلا أن الواقع يثبت أن الدعم غالبًا ما يكون مشروطًا بسياسات تقيد الفلسطينيين وتحاول استغلال معاناتهم. وهذا ما يفرض على القيادات الفلسطينية العمل على ضمان استقلالية القرار الفلسطيني وعدم الرضوخ لأي ضغوط تجعل من إعادة الإعمار وسيلة للابتزاز السياسي، وعلى صعيد آخر، فإن وقف إطلاق النار يجب أن يكون فرصة للضغط على المجتمع الدولي لإجبار الاحتلال على الالتزام بالقوانين الدولية، والعدوان الأخير على غزة لم يكن مجرد قصف واستهداف للمدنيين، بل كان انتهاكًا صارخًا لكل المواثيق الإنسانية. من استهداف الأطفال والنساء إلى تدمير البنية التحتية ومنع المساعدات الإنسانية، ارتكب الاحتلال جرائم ترقى إلى جرائم حرب، وهذه الجرائم لا يجب أن تمر دون محاسبة وإن كان المجتمع الدولي جادًا في حديثه عن حقوق الإنسان، فإن الوقت قد حان لاتخاذ خطوات عملية تجاه إسرائيل من خلال فرض عقوبات دولية أو محاكمة قادتها في المحاكم الجنائية الدولية لكن ومع كل الجراح التي تركتها الحرب، فإن غزة تحمل دائمًا رسالة للعالم أجمع. رسالة الصمود والإصرار على الحياة رغم كل محاولات القهر، وتلك المدينة الصغيرة المحاصرة، التي تعاني من أسوأ الظروف الإنسانية، أصبحت عنوانًا للكرامة والعزة الفلسطينية، وفي هذه اللحظة التاريخية، يجب ألا يغيب عن بالنا أن الصمود الذي أبداه الشعب الفلسطيني خلال هذه الحرب لم يكن فقط دفاعًا عن غزة، بل كان دفاعًا عن كل الأمة. كانت غزة تمثل خط الدفاع الأول أمام مخططات التصفية التي تستهدف القضية الفلسطينية، ولا يمكن الحديث عن وقف إطلاق النار دون التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية كأولوية قصوى. الانقسام الفلسطيني الداخلي كان ولا يزال أحد أكبر العقبات أمام تحقيق تقدم حقيقي في القضية الفلسطينية. اليوم، ومع انتهاء هذه الجولة من العدوان، يجب أن تتكاتف الجهود لإعادة اللحمة بين الفلسطينيين، لأن الوحدة هي السلاح الأقوى لمواجهة الاحتلال واستعادة الحقوق.
غزة، برغم الألم، تبقى عنوان الأمل وبرغم الدمار، تظل صامدة، تحمل في قلبها طموح شعب بأكمله، وتحكي للعالم قصة لن تنتهي إلا بالحرية والكرامة.